Site icon IMLebanon

إيران والقتال على طريقة عنترة!

 

لم تقدم ايران، الدولة الاقليمية الكبرى (عفواً «الامبراطورية» كما تسمي نفسها)، الى البلدان العربية طيلة الأعوام الـ36 الماضية من جمهوريتها الاسلامية، سوى السلاح بيد والمال بيد أخرى لتشكيل ميليشيات طائفية ومذهبية فيها. وليس في الذاكرة، على سبيل المثال لا الحصر، أن ايران تبرعت خلال تلك الفترة بأي مبلغ من المال، كبيراً كان أو صغيراً، لبلد عربي تعرض لكارثة طبيعية أو انسانية (الصومال أو السودان أو سورية حالياً) لتضميد جراح أبنائه أو حتى للمساعدة على اعادة بنائه.

هكذا، على سبيل المثال أيضاً، لم تقدم ايران للفلسطينيين في قطاع غزة ما يعين على اعادة ترميم منازلهم وبالتالي البقاء في أرضهم، بعد الحربين المدمرتين اللتين شنتهما اسرائيل عليه في الأعوام الأخيرة، بل تولت ذلك دول ومؤسسات عربية وأجنبية في مؤتمرين للدول المانحة في شرم الشيخ ثم في الدوحة. والأمر نفسه شهده اللبنانيون في أعقاب حربي 1996 و2006 وما نتج منهما من خسائر فادحة مادياً وبشرياً، حيث قامت بلدان عربية وأخرى أجنبية صديقة ومؤسسات دولية باعادة بناء ما تهدم وحتى التعويض عن الأضرار.

أما بالنسبة الى سورية، التي شرد نصف سكانها وقتل منهم أكثر من مئتي ألف انسان ودمرت بناها التحتية بالكامل على مدى أربع سنوات، فبإمكان العرب ودول العالم ومؤسساته الاغاثية اذا رغبوا أن يجتمعوا في الكويت، كما حدث قبل أيام، وأن يخصصوا لإطعام أهلها وايوائهم أربعمئة مليار دولار من أصل ثمانمئة مليار يحتاجون اليها.

الشيء الوحيد الذي فعلته ايران، هنا وهناك، أنها لا تزال ترسل الأسلحة والميليشيات والصواريخ الى سورية، تماماً كما فعلت سابقاً عندما زودت «حماس» و «الجهاد الاسلامي» في غزة و «حزب الله» في لبنان بالمزيد من السلاح… ومعه، كما هي عادتها، المزيد من الحض على مواصلة القتال ضد من تسميهم «الأعداء»، والتهنئة بـ «الانتصار الإلهي» الذي تحقق لـ «المقاومين والممانعين» في تلك الحروب.

لكن من هم هؤلاء «الأعداء» الذين يجب قتالهم، والذين لا قتال ممكناً ضدهم الا بالسلاح الحربي… أو بالسيف، على طريقة عنترة بن شداد؟

في الخطاب الايراني السائد أنهم: أولاً، كل من يعارض «الجمهورية الاسلامية الايرانية» أو حتى يقف ضد نظرية «ولاية الفقيه» ومسؤوليتها الشاملة… وبين هؤلاء المرشحان لرئاسة الجمهورية موسوي وكروبي اللذان يقبعان في السجن منذ 2009. ثانياً، إسرائيل والصهيونية باعتبارهما اللافتة اللازمة لتغطية تسلل ايران الى قضايا العالم العربي ودواخله. وثالثاً، «الاستكبار العالمي» الذي يستنزف ثروات الشعوب وتمثله الولايات المتحدة. ورابعاً، والأفدح من ذلك كله، ما يسمى «المظلومية» التاريخية للشيعة في العالم… وفي العالم العربي في شكل خاص.

وماذا كانت حصيلة القتال المعلن والممجّد ضد هؤلاء حتى الآن؟ هذا الكم من الكوارث الانسانية والبشرية والمادية والسياسية في العالم العربي، من لبنان الى البحرين الى سورية الى العراق الى اليمن أخيراً… ومعه بالطبع، هذه الحروب الأهلية الصامتة بين المسلمين السنة والشيعة من ناحية، وبين المسلمين والمسيحيين من ناحية ثانية، وبين العرب والفرس والأتراك والأكراد على مساحة المنطقة كلها من ناحية ثالثة.

لكن معه، بالتعريف الايراني المعلن والممجّد بدوره، عودة «الامبراطورية الساسانية، وعاصمتها بغداد» الى الوجود بعد آلاف السنين، كما سقوط أربع عواصم عربية في يد «الولي الفقيه»، كما بعد ذلك كله مد نفوذ ايران الى عدد من بلدان المنطقة، وصولاً الى المساومة عليها وعلى النفوذ فيها في مفاوضاتها مع العالم حول ملفها النووي.

فبالسيف، وبالسيف وحده على طريقة عنترة بن شداد، عملت «الجمهورية الاسلامية الايرانية» على إقامة سلطتها في بلاد فارس وفي المنطقة على امتداد أعوامها الـ36 الماضية.

واذا كان من معنى عملي لـ «الاتفاق/الاطار» الذي تم توقيعه بينها وبين الغرب في لوزان بسويسرا، فهو أن الرئيس الأميركي باراك أوباما ورؤساء الدول الخمس الأخرى أبلغوا العالم، ومعه «الولي الفقيه» اذا كان يفقه فعلاً، بأن الزمن الذي كان يقال فيه «ان السيف أصدق انباء من الكتب» قد ولى الى غير رجعة.

فالقتال بالسياسة والاقتصاد والعلم والتربية، وليس بالسيف حتى لو كان سلاحاً نووياً، هو الوحيد الممكن في القرن الحادي والعشرين.