IMLebanon

إيران وحدود الازدواجية

تذهب بعض القراءات السياسية إلى إدخال قرار البرلمان العراقي بقوننة وضع الميليشيات المذهبية المعروفة باسم «الحشد الشعبي» في سياق واحد مع رواية رديفة (وركيكة) تقول إن «حزب الله» بعد معركة حلب سيعود بمقاتليه إلى لبنان، وأن الأمرين هما جزء من سياسة خارجية «جديدة» ستعتمدها طهران بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية وإظهاره نمطاً عدائياً واضحاً إزاءها. ومن حيث المبدأ قبل التفاصيل.

وذلك أداء إيراني ممكن لولا أنه يصطدم بمؤشرات مضادة تدل على العكس. منها في اليمن حيث يصعّد الحلف الانقلابي عسكرياً وسياسياً في وجه الشرعية وصولاً إلى تشكيل «حكومة» من الحوثيين وأتباع المخلوع علي عبدالله صالح. ومنها في إيران نفسها من خلال تصعيد التشبيحات اللغوية على شاكلة الادعاءات العسكرية البحرية الطنانة والفارغة بالتأكيد من أي مضمون موازٍ. ثم اللغو بـ«حكومة عالمية إسلامية» مركزها طهران. ثم العودة إلى تظهير وتلميع تجربة «الباسيج» ورمي الكلام عن «تعميمها»، والتي لا تعني سوى ازدواجية شبيهة بـ«الحشد» في العراق و«المقاومة» في لبنان.. وصولاً إلى إعلان الاستعداد لإعادة فتح قاعدة همدان العسكرية أمام الطيران الحربي الروسي.. إلخ.

وعدا عن ذلك (والبيان واسع!) فإن المؤشرات الإيرانية المضادة لأي قراءة تفترض انكفاء أمام ترامب و«وعوده»، تصل إلى ذروتها الميدانية في حلب، وإلى ترجمتها السياسية في لبنان من خلال محاربة انطلاق العهد الجديد وعرقلة تشكيل الحكومة المكلّف برئاستها الرئيس سعد الحريري.

ومصطلح «أداء إيراني ممكن» يحتاج إلى شيء من التوضيح. حيث إن ازدواجية الأداء مبدأ اعتمدته القيادة الإيرانية طوال المرحلة الماضية، ولا تزال، نظرياً وعملياً. والسيرة المريرة تبدأ من المنطلقات ولا تنتهي عند السياسات: تحكي عن «الإسلام» وتتصرف مذهبياً! وتحكي عن الاستقرار وتتصرّف بتخريب! وتحكي عن حسن الجوار والمصالح المشتركة وتتصرف بعدائية ولا ترى سوى مصالحها الخاصة أو ما تفترضه كذلك! تريد كسر حصار العقوبات عليها وتحاصر غيرها بالعنف وأدواته! تريد الانفتاح على العالم وتعتمد حرسها «الثوري» جسراً لذلك بدلاً من الخضوع لشروط وموجبات وأعراف وقوانين العلاقات بين الدول.. إلخ.

.. وبالتالي، ليس مستغرباً في إطار مدونة السلوك هذه، أن تظهر إيران الشيء ونقيضه، أي أن ترسل إشارات احتوائية للرئيس الأميركي المُنتخب وفريقه «المعادي»، ثم أن ترسل في الوقت نفسه وعلى خط مواز إشارات معاكسة تشي بـ«الاستعداد لكل الاحتمالات» على ما انتهى إليه اجتماع عقد قبل يومين برئاسة حسن روحاني في طهران!

الواضح من ذلك هو أن إيران راكمت على نجاح أدائها المزدوج في المرحلة التي لا تزال مستمرة، وتمكنت في ظلاله من إخفاء السقف الذي لا تخرقه: تناور على حافة الهاوية ولا تحتمل «دفشة» صغيرة للنزول فيها! أي أنها تغامر تحت سقف عدم الاشتباك العسكري المباشر مع أي طرف، تعرف أنه أقوى منها في البحر والجو والتكنولوجيا الحربية! والواضح تبعاً لذلك، هو أنها تجد نفسها للمرة الأولى منذ العام 2003 أمام أسئلة كبيرة ومصيرية ومركبة وجلّها يتصل بكيفية تصرف الرئيس الأميركي المُنتخب معها في ضوء مواقفه «الحاسمة» منها مبدئياً، ومن أدوارها الخارجية استطراداً.

والخيارات ضيّقة: في الحد الأقصى قد يعبث ترامب بـ«الاتفاق النووي» وملحقاته العقابية بما يعيد في المحصلة، الأمور إلى المربع الأول ويؤكد وضعية إيران كدولة منبوذة. وفي الحد الأدنى قد يفعّل (والأرجح ذلك) نظريته القائلة بأن الجيوش النظامية في دول المنطقة هي وحدها المخوّلة بالعسكرة والتسليح وآن أوان الانتهاء من قصة الميليشيات (الإيرانية) الموازية في القانون الأميركي، للجماعات الإرهابية!

.. القصة كبيرة، من شواطئ الخليج العربي إلى شواطئ المتوسط!