Site icon IMLebanon

ايران والدور المفقود  

لم تعد خطابات سماحة السيّد حسن نصرالله تستثير ردود الفعل البارزة التي كانت في السابق… إذ يبدو أنّ هناك يقيناً بأنّ هذه الخطابات إنْ هي إلاّ الدليل على فشل السياسة الايرانية في سوريا، أو أقلّه هي دليل على “تزحيط” إيران في سوريا بعدما دخل الروسي بقوة على المشهد وكان له الفضل على النظام في تثبيته، حتى الآن، بعدما كان ينهار بالرغم من الدعم الايراني المباشر عبر القوات النظامية الايرانية من مقاتلين وضباط وخبراء وقادة عسكريين كبار، وعبر الحرس الثوري الايراني ممثلاً بـ”فيلق القدس”… أو الدعم الايراني غير المباشر للنظام عبر دفع “حزب الله” وسائر الميليشيات الشيعية الموالية لطهران من عراقية وأفغانية وباكستانية وسواها(…).

وجاء “تزحيط” روسيا لإيران بحلول النفوذ الروسي مكان النفوذ الايراني من جهة، وبحصر مباحثات مصير سوريا والنظام بالثنائي الاميركي – الروسي بالتأكيد، تقريباً من دون أي طرف ثالث، وبالذات الطرف الايراني.

من هنا، لم يكن غريباً على العارفين ببواطن الأمور أنّ يلجأ سماحة السيّد حسن نصرالله الى محاولة فتح جبهة عسكرية جديدة في جرود عرسال، كمحاولة من طهران لإثبات الوجود والسعي لاستعادة بعضٍ من الدور المفقود في سوريا.

وللتذكير فقط ببنود الاتفاق الروسي – الاميركي، أو ببعضها، وعلى سبيل المثال لا الحصر:

أوّلاً- تعهّد الطرفان بالسماح بعبور المدنيين والمساعدات والحركة التجارية عبر منطقة الراموسة جنوب غربي حلب.

ثانياً- أقاما منذ شهر أيلول من عام 2016 الماضي مركزاً مشتركاً للتحقق من تطبيق الهدنة بما في ذلك تبادل المعلومات بين واشنطن وموسكو وتحديد مناطق وجود “جبهة النصرة” والمعارضة كأولوية أساسية.

ثالثاً- العمل المشترك على “هزيمة” تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) و”جبهة فتح الشام” (النصرة)، والتنسيق بين الدولتين العظميين في تسيير الضربات الجوية المشتركة.

رابعاً- أن تمارس موسكو الضغوط على النظام السوري لوقف النزاع مقابل ضغط مماثل على أطراف المعارضة… وهو ما أثبت جدواه (وإن مبدئياً وجزئياً) مع الوقت.

وفي هذه البنود كلها يتّضح أنّ أي دور لإيران لم يعد وارداً ولا بأي شكل من الأشكال… وبات الوجود الايراني في سوريا عبئاً على الأطراف كلها بدءًا بالنظام، وطبعاً مروراً بالروسي الذي لم يعبّر الايراني بأي إشارة في هذا الاتفاق الثنائي الذي أشرنا آنفاً الى معظم بنوده والذي أثبت صموده منذ أكثر من سنة وحتى اليوم بالرغم مما بين البلدين الكبيرين من خلافات واختلافات حول مسائل عديدة في العالم.

ولعلّ أكثر ما يضني الجانب الايراني أنّ موسكو أقامت، في الموازاة، علاقة طيّبة مع الجانب التركي في سوريا (وخارج سوريا) ما أسقط من يد إيران آخر أوراقها ذات التأثير في سوريا.

لذلك نكرّر أنه لم يكن مستغرباً أن تحرّك طهران، بواسطة “حزب الله”، مسألة جرود عرسال بحثاً عن الدور المفقود.

عوني الكعكي