عدم زيارة الوزير «الظريف» جواد ظريف ضريح عماد مغنية لضيق الوقت، لم يقنع أحدا. الرسالة «الظريفة» وُجّهت ميدانياً الى واشنطن مضمونها مقروء بوضوح، «الدولة الايرانية، تراعي وتلتزم بشروط «العضوية والاقامة» في «نادي» الشرعية الدولية. هذا الوضوح، لم يحل التساؤل عما بعدها، وخصوصاً أن «رقصة» التانغو الأميركية الإيرانية، لا تقف عند حدود الخطوة الاولى، مهما بلغ نجاحها، يوجد ما بعدها الكثير، خصوصاً أن «رقصة التانغو»، طويلة وذات إيقاعات مختلفة وعمادها التنسيق.
إيران تدرك حكماً أن الانفتاح على العالم خصوصاً مع الولايات المتحدة الأميركية في عالم التجارة المعقد مضطرة إن لم تكن ترحب بالتعامل مع شركات يهودية أو شركات يمسك اللوبي اليهودي بالقرارات فيها. طهران فتحت الطريق منذ اعترافها «بالمحرقة» دون «ألاعيب» أحمدي نجاد وحروبه «الدونكشاتية». الرئيس حسن روحاني عبّر ببلاغة عن «جوع» إيران للتجارة الدولية بقوله «ان الأزمة والمقاطعة كادتا توصلان التجارة الى مرحلة ما قبل العصر الحجري». كل هذا يفرض على إيران شروطاً وأساليب جديدة تتوافق مع هذا الانفتاح وهذه التحولات. بداية هذا كله أين إسرائيل من هذه التحولات؟
السؤال الكبير الى أين ستذهب إيران «الجديدة» في خطابها الايديولوجي من العلاقة بإسرائيل؟
بدايةً لن تعترف إيران بإسرائيل، وذلك للحفاظ على صدقيّة خطابها الثوري، وعلى وجودها في قلب الصراعات في المنطقة. لكن ذلك لا يمنع أبداً من متابعة واللعب في التحولات القادمة. لا شك أن المظهر الكبير المجسد لتحول «الدولة» الايرانية، زيارة وفد «فتح» برئاسة أحمد مجدلاني لطهران تمهيداً لزيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لها في مطلع الخريف المقبل.
هذه الزيارة هي الأولى لحركة «فتح» التي وقّع قائدها الرئيس ياسر عرفات اتفاق «أوسلو» الذي رفضته طهران وما زالت ترفضه. لا يمكن ويجب عدم وضع الزيارة المفترضة للرئيس الفلسطيني في خانة سياسة الانفتاح فقط. إنه تحوّل إيديولوجي وسياسي تحت سقف الواقعية السياسية.
قبل الدخول في تفاصيل الاحتمالات والسيناريوات يجب التأكيد أن مشروع الصهيونية بإقامة إسرائيل الكبرى قد سقط، وما على إسرائيل مهما حكمها التطرف التعامل مع ارتداداتها خصوصاً مع وجود قوتين إقليميتين هما إيران وتركيا تتنافسان في ميادين عديدة أبرزها عدم حبهما لها الى درجة العداء وأحياناً أكثر بكثير. لذلك فإن السيناريوات المفترضة هي:
*أن إيران لن تدخل في حالة السلام الكامل والشامل مع إسرائيل ولن تشجع عليه، مهما خفضت سقف تشددها.
*ان احتمال الحرب الشاملة والواسعة مع إسرائيل شبه مستحيل ان لم يكن مستحيلاً، والحرب بالوكالة تكاد تنعدم في المستقبل المنظور. إيران لا يمكنها الدعوة الى الحرب والمقاومة كما كانت تفعل. إسرائيل لن تغامر في حرب جديدة تكون تكلفتها عالية ومردودها محدوداً. حرب «الجرف الصامد»، وعدم القدرة على بناء ما هدّمته الحرب في غزة، وطلاق «حماس» مع طهران شكل قوة دفع لهذه الحالة ووضع قيوداً قاسية وعميقة على التردد من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني للمغامرة.
*السيناريو الأخير وهو المرجح، التوصل الى هدنة طويلة تستمر عقداً أو أكثر حسب التطورات الاقليمية والدولية، ما يؤشر الى ذلك ان حركة «حماس» تتجه نحو الاتفاق على هدنة طويلة مع إسرائيل تتضمن فتح ممر بحري أولاً وجوي لاحقاً، ويبدو أن المباحثات حول الشروط والواجبات والمستحقات قد وصلت الى نقطة متقدمة.
أما بالنسبة لحزب الله فقد سبق له والتزم منذ 2006 والقرار 1701 بهدنة ثابتة وصلبة لم تُخرق حتى الآن أكثر من مرات قليلة بقيت محدودة وهدفها توجيه «رسائل» قصيرة وسريعة. الجنوب سيبقى في ظل التوافق الدولي على ذلك القطاع 1701 الهادئ والعام، لعقد جديد وربما أكثر وفي أجواء أفضل من الهدوء والاستقرار والنمو العمراني.
إيران في قلب هذا التحول. خطابها الفلسطيني سيقترب رويداً رويداً من الخطاب العربي حول فلسطين عداء دون حرب، صواريخ الحزب ستبقى لكن «مفاتيح» مخازنها في طهران مهما كابر السيد حسن نصرالله بكل ما يتعلق باستقلالية الحزب. العقد القادم الذي سيبدأ إيرانياً في مطلع العام المقبل محكوم بالهدوء والتهدئة. واشنطن محكومة بتقديم الضمانات لإسرائيل، وأبرزها استمرار الهدنة بمشاركة إيرانية مباشرة أو غير مباشرة. مصالح إيران الوطنية تتطلب الالتفات الى البناء الداخلي، لا يمكن الاستمرار في الحرب المباشرة أو بالوكالة في وقت واحد خصوصاً بعد التوقيع على اتفاق الجحيم النووي. حزب الله لن يكون كما كان حتى اليوم وهو محكوم بالقواعد الوليدة.
انتهى زمن الثورة. بدأت مرحلة الدولة بكل شروطها الداخلية والخارجية معاً. انتهى زمن الحرب، مهما بلغ عدد الصواريخ وحجمها، مرحلة الحوار مقبلة بكل شروطها ونتائجها وليس الحوار للحوار.