على رغم المناخ البارد والقارس أحياناً كثيرة هذه الأيّام في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، فإنَّ منسوب حرارة المناخ السياسي السائد فيها مُرتفِع جدّاً، إذ لا يَخلو يومُها مِن زائر، بَل زائرين سياسيّين وديبلوماسيّين مِن مشارق الأرض ومغاربها، ولا من مؤتمرات، إلى درجة أنّها يُمكن أن تتبوّأ المركز الأوّل بين نظيراتها بامتياز.
لا يُغادر الإيرانيّون الصبر والجَلَد، ولا يُضيّعون الوقت، فهُم كَمَن يطرق الحديد على مدار الساعة حتّى يَلين، والدليل الأكبر على ذلك نهجُهم التفاوضي مع المجموعة الدوليّة المعروفة بـ«5+1» في شأن برنامجهم النووي الذي نجَحَ بعدَ عشرات السنين في تكريس حَقّهم في امتلاك التكنولوجيا النوويّة لأغراض سلميّة.
وبهذا النهج الصبور وغير المنقطِع، يَتعاطى الإيرانيّون مع كلّ القضايا والأزمات الإقليميّة، ومنها الأزمة اللبنانيّة التي تَحتلّ حيّزاً مهمّاً في اهتمامات القيادة الإيرانيّة. فقبلَ أيّام، استقبلَ مساعد وزير الخارجيّة الإيرانيّة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حسين أمير عبداللهيان نظيرَه الفرنسي فرنسوا جيرو، وتَصدّرَ الوضع اللبناني المحادثات التي تجري بين الرَجُلين للمرّة الأولى بعدَ انطلاق الحوار بين «حزب الله» وتيّار «المستقبل» الذي رَحّبَت به طهران وكذلك المملكة العربيّة السعوديّة.
وتُفيد المعلومات أنّ موضوع الاستحقاق الرئاسي اللبناني كانَ على رأس جدول أعمال اللقاء، فالإيرانيّون لا يبحثون في هذا الاستحقاق مع أيّ فريق سياسي لبناني معنيّ به أم غير معني، لكنّهم يبحثون فيه مع الجانب الفرنسي الذي كان المبادر منذ البداية إلى طَرق أبواب العاصمة الإيرانيّة في شأن هذا الملفّ.
الموقف الإيراني المُعلَن من الاستحقاق الرئاسي اللبناني، والذي تبَلّغَه كلّ مَن فاتَحَ طهران مِن قيادات لبنانيّة وغير لبنانيّة في شأنه، هوَ أنّها تشجّع الأفرقاء اللبنانيّين بقوّة على الاتّفاق على رئيس جمهوريّة جديد، لأنّ هذا الأمر شأن داخليّ لا ترضى القيادة الإيرانيّة زَجَّ نفسها فيه.
وسمِعَ الإيرانيّون من جيرو أنّ فرنسا لا ترى حَلّاً للاستحقاق الدستوري اللبناني سوى بانسحاب رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون ورئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» الدكتور سمير جعجع من السباق الرئاسي، حتّى يتسنّى لجميع الأفرقاء اللبنانيّين الاتّفاق على مرشّح توافقي لرئاسة الجمهوريّة.
لكنّ الموقف الإيراني كانَ أنّ هذا الأمر شأنٌ داخليّ لبناني لن تتدخّل فيه بتأييد هذا المرشّح أو ذاك مثلما يفعل آخرون، ويؤدّي تدخّلهم إلى تأخير إنجاز هذا الاستحقاق الدستوري.
ويقول الإيرانيّون إنّهم لا يُعادون أيَّ مرشّح مِن المرشّحين للرئاسة اللبنانيّة، لكنّهم ينظرون إلى هؤلاء المرشّحين من زاوية مدى اعتماد كلّ منهم على الغرب، ويؤكّدون أنّهم لا يتدخّلون في موضوع انتخابات الرئاسة الذي يجب أن يُعالجَه اللبنانيّون بأنفسِهم، وأن ينظروا إلى لبنان على أنّه بلدٌ يجب أن يقِفَ دوماً في مواجهة التمدّد الإسرائيلي ويُحافظ على إنجازات المقاومة، حيث إنّ موقف «حزب الله» هو كذلك في هذا المضمار.
ويُبعِد الإيرانيّون موضوع الحوار الجاري بين «حزب الله» وتيّار «المستقبل» عَن أيّ خلفيّة إقليميّة، وذلك في ضوء ما تردّدَ في الآونة الأخيرة من أنّ هذا الحوار جاءَ وليد توافق إيراني – سعودي عليه، ويقولون إنّ طهران التي رحّبَت بهذا الحوار على غرار الرياض، لم تطلب من «حزب الله» أن يُبادر إليه، بل هو من بادرَ إليه وهي دعَمت مبادرتهُ هذه وشَجّعتها، وهي تؤيّد في الوقت نفسه مبادرة تيّار «المستقبل» أيضاً، وتؤيّد الحوار بين جميع الأفرقاء اللبنانيّين، لأنّه يُمكنهم معالجة القضايا الخلافيّة في ما بينهم بعيداً من أيّ تدخّل خارجي، ومِن هذه القضايا الاستحقاق الرئاسي.