كما في عواصم المنطقة كذلك في واشنطن وعواصم أوروبا: لكل سؤال جوابان وأكثر. وفي كل موضوع مشكلة من خارجه. الخوف من داعش يرافقه القلق حيال ايران. والمفارقة في الحرب على داعش هي الحاجة الى دوري أميركا وايران، والتسليم في الوقت نفسه بأن محاربة داعش بقوة جوية أجنبية وقوة برية مذهبية تقوي التنظيم المتطرف في أوساط شعبية معينة، وإن خسر أرضاً. وليس ما سمعناه في واشنطن وبغداد خلال معركة تكريت سوى تعبير عن قلق وأسئلة حول ما يمكن أن تفعله الميليشيات الشيعية التي قادها ضباط من الحرس الثوري الايراني بالأرض المحررة وسكانها بعد هزيمة داعش.
ذلك أن القراءات في واشنطن وطهران تذهب الى أبعد من الجدل حول الرسالة التي بعث بها ٤٧ عضواً جمهورياً في مجلس الشيوخ الى القيادة الايرانية لتهديدها بشطب أي اتفاق على الملف النووي مع الرئيس باراك أوباما. فما حاوله هؤلاء في سابقة يعاقب عليها بالحبس قانون لوغان للعام ١٧٨٩ هو اضعاف رئيس ضعيف ومتردد أصلاً، ودعم نتنياهو في رفض أي اتفاق مع ايران. وما رد به أوباما هو التمسك بصلاحيات الرئاسة والاصرار على الاتفاق النووي في اطار التحول الاستراتيجي في العلاقات مع طهران.
لكن السؤال الأميركي في العمق هو ما كان ولا يزال الدكتور هنري كيسنجر يطرحه كلما أثير موضوع العلاقات أو اللاعلاقات الأميركية – الايرانية. وخلاصته ان على ايران أن تحدد ماذا تريد أن تكون: دولة أم قضية؟ وهي لم تنتظر السؤال لتحدد ما أرادته منذ انتصار الثورة الاسلامية: أن تكون دولة وقضية معاً.
أما الدولة، فإن التعبير عنها هو بالتفاوض مع مجموعة ٥١ على الملف النووي والغاء العقوبات الاقتصادية. وأما القضية، فإن الظاهر من مسار العمل لها وبها هو الدور المباشر وغير المباشر في العراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن. واذا كان علي يونسي مستشار الرئيس حسن روحاني قد تراجع عن استخدامه تعبير الامبراطورية الايرانية من دون التخلي عن جوهر النفوذ عبر احترام الحدود، فان قائد الحرس الثوري الجنرال محمد علي جعفري يفاخر بأن مرحلة تصدير الثورة فتحت فصلاً جديداً اليوم. وهو ليس الوحيد بين الجنرالات والملالي الذي يسجل اعتراف لبنان وفلسطين وشعبي سوريا والعراق بالنفوذ الايراني المؤثر.
لكن المحور الايراني الذي يتصرف كأنه ربح معركة النفوذ في الاقليم يعرف أن اللعبة لم تنته. لا في العراق ولا في سوريا ولا في اليمن ولا في لبنان. فالتحديات أمامه كبيرة. والمفارقة هي الرهان على الاتفاق مع أميركا للحفاظ أو لتكبير الرصيد الذي جرى تجميعه تحت عنوان الممانعة لأميركا.