تأخّر الوقت كثيراً لإيجاد حلٍّ لمعضلة إيران وأذرعها التي تستهدف المنطقة، ونقول تأخّر كثيراً بالرّغم من أنّ قناعتنا أن الأوان قد فات على أن يقدر العرب ـ ومجتمعين ـ على هزّ شعرة واحدة في رأس النّظام الإيراني فهذا إرهاب عمره أربعون عاماً، إرهاب حرث وبذر وسقى وطلع زرعه وأثمر وهو يحصد الآن ما زرعه، فكيف يواجه في اللحظات الأخيرة، ومن أين تبدأ المواجهة؟
ما الذي بمقدور القمّتان الطارئتان اللتان تنعقدان غداً الخميس في مكة المكرّمة أن تفعلاه، وما هي القرارات التي بالإمكان اتخاذها للتصدّي للإرهاب الإيراني الذي امتدّ عبر الذّراع الحوثي فاستهدف بطائرات من دون طيار منشآت نفطية سعودية، ونفّذ هجمات استهدفت أربع سفن، من بينها ناقلتا نفط سعوديتان، قبالة ساحل دولة الإمارات، في وقت تجلّت الوقاحة الإيرانيّة في قمّتها بالأمس على لسان سفير طهران في باريس الذي أعلن أنّ «إيران مُستعدّة للتوقيع على اتفاقية عدم الاعتداء مع دول الخليج»!!
تجاربنا مع القمم الطارئة والعاديّة نتائجها معروفة، لا نتائج، حتى حضور أمير قطر إلى مكّة لن يغيّر شيئاً في المشهد، سبق وخبرت الشعوب العربيّة ـ وأكثرها الشعب اللبناني ـ نتائج حسن النوايا التي واجه بها الملك السعودي الرّاحل عبدالله بن عبد العزيز عندما قلب الطاولة في قمة الكويت العام 2009 على محور «التآمر» القطري والسوري وانغماسهما حتى أذنيهما مع النظام الإيراني وتآمرهما على الدول العربيّة لصالح الشيطان الطهراني، فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة إمعان في التآمر وتدفيع لبنان الثّمن باهظاً.
القمّتان في مكّة، لن تصلا إلى حلول للجم التدخّل الإيراني في شؤون الدول العربيّة وفي نسيج شعوبها، طالما هناك في الأساس فئات بين هذه الشعوب فئات سواء كانت مستيقظة كتلك التي في لبنان أو العراق أو اليمن والبحرين، أو النائمة في دول خليجيّة عدّة ولائها وانتماؤها لإيران وأجندتها، سواء أعلنت ذلك و»لعلعت» به أو «أضمرته» و»أسرّته» لضرورات «التقيّة»، هذا أوّلاً، أمّا ثانياً فلأنّ هذه الدّول تخاف من خوض مواجهة حربيّة مع إيران، وغالبها لا يملك جيوشاً قادرة على خوض حرب حتّى ولو اجتمعت، هي دائماً محتاجة للاستعانة بجيوش دول أخرى، هم فقط مستعدّون للتمويل ولا يزالون قادرون عليه ولكن من الذي سيقاتل عنهم؟
من المؤسف أنّ البعض من هذه الدّول ما يزال يصدّق «التصعيد الأميركي» في وجه إيران، ويصدّق أنّ اندلاع مواجهة بين أميركا وإيران أمرٌ وارد جداً، وهذا مؤسف جداً، دونالد ترامب عينه على ولاية رئاسيّة جديدة، وهذا يعني أن التصعيد ضرورة دعائيّة ليس أكثر، ومن المستغرب جداً أن يصدّق بعض العرب أنّ ترامب في وارد إرسال الجنود الأميركيين إلى المنطقة لمواجهة إيران، هذا ضرب من الخيال والجنون أيضاً!
صحيح أنّ السبب المعلن للدعوة إلى القمتين الطارئتين هو «هجوم ميليشيات الحوثي الإرهابية على محطتي ضخ نفطية بالمملكة والتداعيات الخطيرة لهذا على السّلم والأمن الإقليميّ والدوليّ وعلى إمدادات واستقرار أسواق النفط العالمية»، إلا أنّ الحقيقة أنّ هذا الكلام لا يكترث له السلم والأمن الإقليمي والدولي، لأنّ دول العالم خصوصاً الكبرى منها لا تجد فيما يفعله الحوثيّون خطراً يهددهم ولا فيما يفعله حزب الله خطراً يهدّدهم أيضاً، وطالما الأمر كذلك فما على أهل القمم الطارئة سوى أن «يقبّعوا شوكهم بأيديهم»!