Site icon IMLebanon

إيران وترامب

واضح تماماً (حتى الآن) ان إيران «تواكب» المناخ المتأتي عن وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة الاميركية. وتتصرف وفق قاعدة شعبية عتيقة يعرفها أهل القرى في لبنان تماماً، وتقول بما معناه بالعربي الفصيح: مئة استدارة ولا خسارة!.. أي بمعنى «علمي» آخر: براغماتية تامة تأخذ في الاعتبار الوقائع الجامدة والناشفة وتتآلف معها، وتعلّق على الرّف، البديهيات والمقدساتّ حتى لو كانت مربوطة بسابع سماء!

«واكبت» القيادة الإيرانية، إدارة باراك أوباما وسياساته بما يتلاءم معها. وراحت بعيداً في استغلال «رحابتها» على مدى ثماني سنوات عجاف وذلك أفرز وأنتج سلوكاً هجومياً ضارياً لم يأخذ أصحابه في الحسبان أي حيثية لا سماوية ولا بشرية حتى لو كانت متعارضة مع الشعارات الأولى (والأساسية) للثورة الايرانية ومع النصّ (أو الوهم!) القائل بنفي ثنائية الاستقطاب الدولي وطرح بديل ثالث وفق الشعار المنادي بـ «لا شرقية ولا غربية»..

أنتجت المواكبة الايرانية للسياسة الأوبامية سلسلة كوارث لأهل الجوار العربي والاسلامي.. فُتحت مضخات الفتن على وسعها وضَمُرت في المقابل الاستراتيجيات البعيدة المدى تحت وطأة وهيجان انتهاز الفرصة الأوبامية العابرة، حتى آخر نفس. والهدف الأسمى كان إعادة بناء وانتاج مظاهر «امبراطورية» قومية بشعار اسلامي مذهبي لكنها تماثل تلك التي كانت قبل الاسلام ومذاهبه!

ربما يكون أوباما بطل العالم في آفة الخبث، لكن إيران «الثورة» لم تتوقف كثيرا عند غاياته الملتبسة. ولا عند مطبّات جموحها المفتوح لتصدير «ثورتها«. ولا عند إعادة احياء فتنة إسلامية كاسرة. ولا عند تحطيم ركائز الاستقرار في دول ومجتمعات عربية واسلامية بما أنتج في المحصلة حقيقة صادمة ولا يجادل في وقعها عاقل: «الامبراطورية» المشتهاة صارت خراباً فوق خراب. والاسلام صار «إرهاباً»! ولا «شرقية ولا غربية» صارت فتنة دموية تامة! وضرب «النفوذ الاجنبي» في المنطقة جاء بالروس من جهة وجعل «عودة» الاميركيين مطلباً شعبياً أين منه مطالبة عبد الناصر بالعودة عن استقالته! أما إزالة اسرائيل من الوجود فدونه تدعيم ركائز العجز الاقليمي (وعولمته) عن ازالتها ولو عن متر واحد من الأرض المحتلة!

في ايام أوباما، تسابق جنرالات «الحرس الثوري» في هواية رسم الخرائط. منهم من قال ان «حدود» ايران صارت في جنوب لبنان! ومنهم، هواة السباحة، وضعوها عند «شواطئ المتوسط». ومنهم المهجوس بالتاريخ، رأى أن «أمجاد ساسان» عادت، وان بغداد رجعت لتكون عاصمة تلك «الامبراطورية»! ومنهم المؤدلج (الراهن!) اعتبر ان شعاع «الثورة» و«ولاية الفقيه«، وصل إلى أربع عواصم عربية! ومنهم البراغماتي الذي دعا دول الخليج العربي الى القبول بكون إيران «دولة عظمى» وإلى البحث معها وحدها في كيفية حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة كلها!

.. بالأمس جاء مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان إلى بيروت وقال منها ان الحل الوحيد المتاح في سوريا هو «الحل السياسي»، وأن «أزمتي» البحرين واليمن يجب ان تنتهيا بـ «حل سياسي»! قبله أطلق علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، ومحمد جواد ظريف وزير الخارجية مواقف إزاء السعودية خصوصاً والجوار عموماً لا تختلف في زبدتها عن ذلك المناخ التصالحي!

أيام أوباما، كانت القصة في سوريا «حرباً لا هوادة فيها ضد الجماعات الارهابية».. الخ. ولا حل الا «القضاء عليها»! وكانت هناك «ثورة» في البحرين وأخرى في اليمن.. الآن صار عندنا «أزمات» في الدول الثلاث ولا تُحل إلا بالسياسة.. وذلك كله، ولا نزال في «بدايات» عهد ترامب!.