Site icon IMLebanon

تسابق تركي – إيراني للتقارب مع إسرائيل !!  

 

تُعَدّ ظاهرة التنافس إحدى أوجه التفاعل بين الدول، تنشأ نتيجة احتكاك وسعي للدول من أجل تحقيق مصالحها وأهدافها، انطلاقا من امكانياتها المتاحة على شكل تسابق سلمي، ولكن كلما حاول أحد الأطراف المبالغة في الإنفراد بهذه المصالح، والاحتفاظ بها لنفسه، ومنع الآخرين من الوصول إليها، كلما شكّل ذلك سببا لجلب التوتّر الذي يمكن أن يُخْرِجَ التنافس عن نطاقه السلمي ليتحوّل الى صراع، أو أن يتطور في اتجاه إيجابي، ليتحوّل الى تعاون في ظروف أخرى معاكسة، إذ ان التنافس كمفهوم يشير الى حالة من الاختلاف بين الدول، تأخذ أبعاداً سياسية واقتصادية بالدرجة الأولى، لتحقيق مصالح ومكانة في الإطار الدولي والاقليمي، كونه عملية من عمليات التفاعل المصاحبة لإعداد القرار السياسي، وهو نشاط يسعى من ورائه طرفان او أكثر  الى  تحقيق الهدف نفسه.

 

من هنا ولأن تركيا وإيران قطبان أساسيان في النظام الاقليمي الشرق أوسطي، والبلدان يستندان الى موقع استراتيجي في غاية الأهمية، فضلاً عن الثروات الطبيعية، كما ان التغيّرات الإقليمية والدولية، جعلت منهما قوتين مِفصليتين في المنطقة، كانت هناك علاقة حتميّة بين مجموعة من العوامل، التي تؤثر سلباً او إيجاباً في حِدّة التنافس بين هاتين القوتين للتقارب مع العدو الإسرائيلي ونبدأ هنا بجملة من هذه العوامل والوقائع:

 

أولاً: لقد سعت الدولة التركية الحديثة، منذ تأسيسها الى الانسلاخ عن ماضيها العثماني، وإعلان الانتماء الى المجموعة الأوروبية، عاملة على تعزيز انتمائها للغرب.

 

إن أحداث ١١ أيلول ٢٠٠١، كانت بمثابة انطلاق جديد لتركيا في تفعيل دورها الإقليمي، وما تبع ذلك من صعود لحزب العدالة الى دفّة الحكم.

 

وقد تمكّن حزب العدالة بعد انتخابات ٢٠٠٦، من التحكم بالرئاسات الثلاث: رئاسة الجمهورية والبرلمان والقضاء.

 

أما في الوقت الراهن، فإن تركيا باتت تخطب ودّ إسرائيل، لعودة العلاقات بينهما. فقد قال أحد مستشاري الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وبصراحة ووضوح «ان انقرة تعتزم إعادة علاقاتها مع تل أبيب، الى ما كانت عليه في السابق»، مشيراً الى ان بلاده «اشترت أسلحة إسرائيلية في ما مضى، وربما يحدث ذلك مستقبلاً».

 

وتابع: «إذا رأينا ضوءا أخضر، فستفتح تركيا السفارة مرة أخرى، وتعيد سفيرها الى إسرائيل، ربما في شهر آذار المقبل، ويمكننا استعادة العلاقات الدببلوماسيّة الكاملة مرة أخرى».

 

وأذكّر هنا بأن طائرة تابعة لشركة العال الاسرائيلية هبطت في شهر أيار الماضي وذلك بالتزامن مع مزاعم الرئيس رجب طيب أردوغان، حرصه على حماية الحقوق الفلسطينية.

 

كما أذكّر بأنه في ذروة مزاعم الرئيس أردوغان، عن توتر العلاقات بينه وبين «إسرائيل» أوصلت تركيا في الأسابيع الأخيرة من شهر حزيران الفائت، شحنة كبيرة من المساعدات الطبية الى تل أبيب إضافة الى ان نوغورني كاراباخ ألزمت أردوغان كشف علاقته العميقة بإسرائيل حين تدخل في اذربيجان ضد ارمينيا، وصدم الكثيرون حين أعلن أردوغان صراحة عمق علاقته بإسرائيل، وإسرائيل هي الداعمة الأولى والأكبر لاذربيجان في حربها.

 

يشار كذلك الى ان تركيا، هي الوجهة الأولى للسياح الإسرائيليين، حيث يسافر هؤلاء الى آسيا عبر تركيا، مستخدمين الخطوط الجوية الإسرائيلية.

 

ثانياً: يتساءل المراقبون بشكل شبه دائم، لماذا ظلت الحدود السورية وفلسطين المحتلة هادئة تماماً قبل الثورة في سوريا… رغم محور الممانعة الذي كان ولازال يجمع ايران بسوريا مع مجموعة من الدول الأخرى.

 

أليست هذه ظاهرة مستغربة؟ ولماذا يدّعي الايرانيون الحرب على «إسرائيل» بالواسطة، عبر حزب الله اللبناني؟ لقد ساد الهدوء جبهة الجولان بين فلسطين المحتلة وسوريا منذ ان حافظت «إسرائيل» على معظم مساحة هضبة الجولان في حرب العام ١٩٧٣. لكن وبعد اندلاع الثورة السورية عام ٢٠١١، وقعت بعض حوادث اطلاق نار على الحدود رغم ادعاء «إسرائيل» أن هدفها الأساسي هو منع إيران من انتاج أسلحة نووية.

 

وهذا أمر مشكوك فيه، لأن التقارب السري الذي يحدث الآن بين ايران والدولة العبرية يكشف أمورا مستورة، واعتقد ان السبب الحقيقي في كتمان هذا الأمر هو التقيّة التي يؤمن بها مؤيدو «ولاية الفقية». كما يظهر البعضُ من أشد المعارضين، للاتفاق النووي مع إيران ومنهم إسرائيليون بارزون، وسياسيون في حزب الليكود، أن على الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، السماح بأن يكون لهم رأي او مقعد على طاولة المفاوضات، في أي مباحثات مستقبلية مع طهران. ويرى هؤلاء ان الدعوات الاسرائيلية لإبرام اتفاق جديد مع طهران او تعديل الاتفاق النووي السابق، تشير الى مدى التحوّل الذي شهده المشهد السياسي في الوقت الحالي. بالإضافة الى أمور أخرى منها «مفاوضات ما تحت الطاولة» بين طهران وتل أبيب وهي مفاوضات قد تظهر في القريب العاجل، كما أنها تعد منافسة قوية لمفاوضات التقارب بين أنقرة وتل أبيب.

 

وتقودنا الأمور التي اثرناها في هذا التحليل، الى التساؤل الذي راح يتردد في هذه الأيام، على كل شفة ولسان: من سيفوز في هذا التسابق بين تركيا وإيران للتقارب مع «إسرائيل»؟..

 

الأيام المقبلة ستكشف ما تخفيه التقيّة، وما يعمل من أجله الساعون الى خطب ودّ إسرائيل.

 

ملاحظة: انتظروا غداً وبعد غد بقية سلسلة: ماذا يجري في العالم العربي في حلقتيه الثانية والثالثة.