إذا كنت من عاشقي الكوميديا غير المقصودة، أنصحك بأن تتابع عمل لجنة العمل الدولي المالي، وهي مؤسسة عالمية تضم مجموعة من المصارف والمؤسسات الحكومية الكبرى قررت التعاون بمجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وقد عقدت اللجنة اجتماعاً في باريس لمناقشة، من بين أمور أخرى، ما إذا كان النظام المصرفي الإيراني سيتلقى تقريراً يفيد بسلامة وصحة أوضاعه أم لا. وهنا، تبدأ المزحة في التكشف، فقد قضت وزارة الخزانة الأميركية أكثر من 20 عاماً في اقتفاء أثر كيفية استغلال المصارف الإيرانية من جانب الحرس الثوري الإيراني في تمويل جماعات إرهابية. ومثلما ذكر مستشار الأمن الوطني إتش. آر. ماكماستر أمام مؤتمر في ميونيخ هذا الأسبوع، فإنه «عندما تستثمر في إيران، فأنت بذلك تستثمر في الحرس الثوري. وقد يمكنك تقديم شيك إلى الحرس الثوري وأن تقول له: من فضلك استخدم هذه الأموال في مزيد من أعمال القتل عبر أرجاء الشرق الأوسط».
ومع هذا، يبدو أن هذا الكيان الدولي المخصص لوقف تمويل الإرهاب، لا يتمتع بمطلق الحرية في اتخاذ مساره. وقد دعا إيران إلى «التناول الكامل لباقي الإجراءات الواجب عليها اتخاذها»، ويتضمن ذلك سد ثغرة في قانون معروض حالياً أمام البرلمان الإيراني لتناول تمويل الدولة للإرهاب. ويحوي القانون إعفاءً للجماعات «التي تحاول إنهاء الاحتلال الأجنبي والاستعمار والعنصرية». ومع ذلك، يظل الباب مفتوحاً أمامها إذا تمكنت الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم من مجرد تناول بعض من هذه التفاصيل الفنية.
ويكشف ذلك حجم المشكلة الكامنة وراء دمج دول مثل إيران إلى النظام العالمي، ذلك أن موفدي الحكومات ووزراءها قد يتحدثون بتعقل على مستوى من فرد لآخر، لكن عندما يجتمع حشد منهم داخل قاعة تحت عنوان «المجتمع الدولي» تبدأ حالة من الهراء في التشكل. وينطبق هذا الأمر بصورة خاصة على إيران بعد الاتفاق النووي المبرم معها عام 2015.
ويكفي النظر إلى مؤتمر عقده «الإنتربول» يوليو (تموز) الماضي في طهران. إذ كان هناك مسؤولون بمجال إنفاذ القانون من وسط وجنوب آسيا لمناقشة «مشروع كالكان»، وهو نظام جديد للإنذار المبكر للتشارك في المعلومات المرتبطة بالإرهاب بهدف الحيلولة دون وقوع هجمات مستقبلية. والآن، ماذا ينتظرنا في المستقبل؟ قمة دولية لإصلاح السجون تستضيفها بيونغ يانغ.
اللافت أن أكثر الجهات انتهاكاً في هذا الأمر ومنذ أمد بعيد، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. ومن المقرر أن يتضمن الوفد الإيراني المشارك في الاجتماع السنوي للمجلس، الأسبوع المقبل، وزير العدل الإيراني علي رضا أوايي، الذي تشير ادعاءات إلى أنه تولى الإشراف على أعمال تعذيب واحتجاز عشوائي لنشطاء ينتمون إلى «الحركة الخضراء». وعندما كان أصغر سناً، كان المحقق الذي أصدر أحكاماً بالإعدام بحق الآلاف من حركة «مجاهدي خلق» المعادية للنظام عام 1988، خلال واحدة من حملات التطهير الكثيرة التي شنها النظام. جدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبي فرض حظر سفر وعقوبات ضد أوايي عام 2011. ومع هذا، من المقرر أن يصل إلى جنيف هذا الأسبوع للمشاركة في مؤتمر حول حقوق الإنسان.
وتنضح كل هذه الأمثلة بقدر هائل من السخرية والمفارقة، لكنها تحمل في الوقت ذاته دلالات خطيرة. والواضح أن واحداً من السلبيات الكثيرة في الاتفاق النووي المبرم عام 2015 أنه رفع سقف توقعات النظام الإيراني حيال إمكانية إعادة انضمامه إلى المجتمع الدولي مقابل تجميده برنامجه النووي بصورة مؤقتة.
بيد أن المشكلة أن الاتفاق النووي كان ضيق النطاق، فقد وعد برفع كثير من العقوبات المفروضة ضد إيران بسبب نشاطاتها النووية مقابل سماحها لمفتشين دوليين بالدخول إلى مواقعها النووية والتخلص من معظم مخزوناتها من اليورانيوم منخفض التخصيب. إلا أن المصارف والمؤسسات الكبرى لا تزال متخوفة حيال الاستثمار في إيران.
الواضح أن هذا يثير ضيق الدبلوماسيين الإيرانيين. وكان نائب وزير الخارجية عباس عراقجي هدد أخيراً بأن إيران قد تنسحب من الاتفاق المبرم عام 2015 إذا استمرت المصارف الكبرى في نبذ اقتصادها. يا له من ظلم صارخ! إن نظاماً يلقي القبض بصورة روتينية على الأشخاص مزدوجي المواطنة بناءً على اتهامات مفبركة، ويسمح لبنوكه بتمويل الإرهاب، ويرقي من يتورطون في تعذيب المواطنين إلى مناصب عليا، يتعرض للنبذ!
لا بد أن هذا الوضع يخلق معضلة حقيقية أمام عراقجي ومسؤولي النظام الآخرين. ومع هذا، يبقى الأمر بسيطاً: إذا رغبت إيران في أن يجري التعامل معها دولة طبيعية، فإن على قياداتها إذن التوقف عن التصرف كحفنة من الإرهابيين.