بينت النتائج التي خلصت اليها «الحوارية الثلاثية» بما لا يرقى اليه شك أن الملف اللبناني بكل تشعباته اصبح مرتبطا بشكل اساسي بتطور التسويات في المنطقة وتوازنات القوى التي سترسيها، في ضوء تسارع الاحداث السياسية والميدانية دراماتيكيا، عشية استحقاقات دولية مفصلية اهمها الحرب على الارهاب بوجهها الاوروبي ، وليس انتهاء بالانتخابات الرئاسية الاميركية وما ستتركه من تداعيات على الساحة الاقليمية، لن يكون لبنان بعيدا عنها، بعدما فشل اللبنانيون في تحييد بلدهم.
ملفات لبنانية عالقة بين المطرقة الايرانية والسندان السعودي، تقول مصادر متابعة، في مقدمها الورقة الرئاسية، بما تخفيه من اتفاق ضمني على ان تأتي تتويجا لسلة متكاملة يتفق عليها مسبقا، بلغت المفاوضات بشأنها في مرحلة سابقة حدود الاتفاق على اسماء بعض موظفي الفئة الاولى من وظائف حساسة، من جهة، وورقة مزايدة في السوق الاقليمي من جهة ثانية، حيث ترفض الرياض مقايضة الرئاسة السورية بالرئاسة اللبنانية، مقابل اصرار طهران على بقاء الرئيس بشار الاسد بموافقة غربية – خليجية تضمن لها مصالحها الاستراتيجية في المشرق العربي، في ظل الكلام المتصاعد عن تقارب اسرائيلي -خليجي بلغ مراحل متقدمة وخطرة.
وفيما انشغلت الاوساط السياسية في تقويم نتائج الخلوة الحوارية التي انتهت من حيث بدأت، اشارت المصادر المتابعة الى ان تبخر جدول اعمال الحوار كان متوقعا سلفا ان لجهة الاتفاق على انتخاب رئيس، معروفة قطبته الرئيسية حيث عقبته الداخلية انعكاس للخلافات الخارجية التي عجزت كل الجهود الاقليمية والدولية عن تأمين التوافق حوله، او لناحية قانون الانتخاب العتيد المأمول الوصول اليه من دون طائل، ازاء العقم السياسي التام وغياب افاق الحلول.
من هنا ترى المصادر ان التعويل على تغيير ما سيطرأ في المنطقة ويفتح كوة في جدار الفراغ الرئاسي قريبا ليس في محله»، موضحة ان النتائج الاولية للزيارة الايرانية ، بينت سعي طهران الى تثبيت رئيس من اختيارها قبل الانتخابات الاميركية على اعتبار ان هوية الفائز ستؤثر في موقعها ورقعة نفوذها. فوصول المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون الى البيت الابيض من شأنه تثبيت الحضور الايراني في المنطقة العربية وترسيخ الجو السياسي الجديد الذي نتج من الاتفاق النووي، حسب المصادر، في مقابل مخاوف من تنفيذ المرشح الجمهوري دونالد ترامب في حال فوزه تهديداته بفرض عقوبات جديدة والغاء الاتفاق النووي، لذلك فان الامثل هو الانتظار حتى اتضاح الصورة الاميركية لأن كل تحرك في الفترة الفاصلة عن الانتخابات الأميركية المرتقبة هو فقط من أجل تمرير الوقت.
غير ان التعاون الاميركي – الروسي يمرّ في شأن سوريا في مرحلة حرجة ومفصلية في آن على قول المصادر، والعلاقة الايرانية – الاميركية متعثرة، مع تراجع الاندفاعة التي خلفتها امتيازات الاتفاق الايراني – الغربي والتي اتت على حساب النفوذ السعودي، ما جعل الاخيرة غير مستعجلة اتمام الحلول مراهنة على عامل الوقت، الذي يصب في خدمة مصالحها، بمعاونة حلفائها وأذرعها في المنطقة، مصرة على عدم الرضوخ للخسائر النسبية التي تعرضت لها في اكثر من منطقة، مستندة الى نفسها الطويل مستعيدة استراتيجيتها في التعامل مع الملف النووي والتي اثبتت نجاعتها، آملة تعويضها بمزيد من التمسك بأوراقها التي ترى انها الوحيدة الكفيلة بتحقيق طموح الشركة مع العرب في القرارات المتصلة بالمنطقة وكيفية معالجة ازماتها، وهو شأن ترفضه الدول العربية بالمطلق وفي شكل خاص دول مجلس التعاون الخليجي.
رؤية تنطلق من ان من ينتصر على الأرض سينتصر في المفاوضات الجارية على اكثر من مستوى، بشكل مباشر او غير مباشر، حيث يكشف العائدون من طهران عن شعور قادة الحرس الثوري الإيراني بالكثير من الارتياح لمجريات الإنتصارات التي تقودها قيادته، سواء مباشرة كما يجري في سوريا او بالواسطة كتلك الجارية في اليمن وهو ما يؤدي حتما الى مزيد من التوتر والحدة في العمليات العسكرية المتوقعة طالما ان الجهة الأخرى المدعومة من الحلفين العربي والدولي ترفض ما جرى في الدولتين وتسعى الى اعادة الوضع الى ما كان عليه بأي ثمن عسكري او مادي او سياسي او دبلوماسي. الامر الذي ترك اثره ليس فقط في العلاقة الايرانية – الخليجية، بل طال ايضا العلاقة الايرانية – الغربية الممثلة بالتحالف الدولي ضد داعش.
استنادا الى هذا السيناريو، يستند الرهان الايراني بشكل اساسي الى تحصيل مكتسبات سياسية من الادارة الاميركية الجديدة تضيف المصادر، للتفاوض حول شؤون دول المنطقة مقابل التنازل عن بعض الاوراق ومن ضمنها لبنان. رهان ، بحسب دبلوماسي رفيع في بيروت، لن ينجح، لان عودة الديمقراطيين الى البيت الابيض لن تسمح لطهران بتحصيل المزيد من الامتيازات، بل ستحدث تغييرات لن تصب حتما في مصلحة الاخيرة، حيث تشير كل المعطيات الى ان الادارة الجديدة ستكون اكثر صرامة في الملف السوري ، في اطار مشروع عودتها بقوة الى الشرق الاوسط واستعادة ما خسرته لمصلحة «الدب الروسي». ليبقى وصول دونالد ترامب أشدّ تعقيدا ولا يخدم بالتأكيد مصالح ايران.
بناء على كل ما تقدم، يمكن فهم خلفيات المواقف التي اعلنها الأمين العالم لحزب الله السيد حسن نصرالله، ومن بعده رئيس لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الايراني علاء الدين بروجردي، التي ترجمت بدقة التوجهات الإيرانية ورؤيتها لما يجري في المنطقة، مجددين الهجوم العنيف على الممكلة العربية السعودية محملين اياها مسؤولية استمرار العمليات العسكرية في اليمن وسوريا كما بالنسبة الى ما تشهده البحرين ، وصولا الى تحميل الرياض المسؤولية عن العمليات الإرهابية التي شهدتها العواصم الأوروبية ولا سيما تلك التي شهدتها فرنسا من «إجتياح نيس» الى «كنيسة روان» وتلك التي شهدتها برلين وبروكسيل وغيرهما من العواصم الأوروبية المستهدفة باعتبارها من الأحداث التي تخدم توجهات هذه القوى في الحرب السورية.
على قاعدة «ليس في الامكان افضل مما كان» انكفأ الرئيس بري بسلته وارانبه، في حوار الوقت الضائع الا من خطوط الاتصال بين القوى السياسية المفتوحة حتى الخامس من ايلول، عله يكون افضل ويحمل معه رياحا اقليمية ودولية اكثر برودة تعيد رسم الستاتيكو اللبناني فاتحا ثغرة في معادلة الالف – سين.