ما أشبه اليوم بالبارحة، عندما تعلو التهديدات في طهران “بتمريغ أنف اميركا في الوحل”. الخطابات اليومية في طهران تذكّر بمرحلة بدايات الثورة في طهران والاندفاع نحو احتلال السفارة الاميركية واحتجاز ٥٢ ديبلوماسياً اميركياً مدة ٤٤٤ يوماً. رغم الفارق الزمني، واختلاف الأوضاع والحالات، فإن حملة الردح وصلت الى الرئيس حسن روحاني بعد قادة “الحرس الثوري” الذي دخل على الخط وتجاوز “الخط الأصفر” للاعتدال وتمادى في توجيه التهديدات لاميركا على قاعدة ان “ايران هي ام الحروب”، مضيفاً في كلامه الموجه الى الرئيس دونالد ترامب: “لا تلعب بالنار”! ووصل الامر الى درجة التهديد من جديد “بمنع تصدير النفط من الخليج.. اذا منعت اميركا ايران من تصدير نفطها”. باختصار اقفال مضيق هرمز حيث يمر٣٠ % وربما اكثر من المواد المصدرة من التجارة العالمية بما فيها النفط، اي كل ما يهم الغرب بما فيه اميركا وروسيا والصين واليابان.
ربما قادة الحرس يهددون ترامب بأساطيلهم وطيرانهم من “الكوثر”، تقليد طائرة “أف ـ ٤” التي خرجت من الخدمة منذ سنوات طويلة، لكن العجيب دخول الرئيس روحاني على الخط وهو الذي يعلم جيدا وعن معرفة وخبرة الفرق الشاسع بين قدرات بلاده العسكرية والقدرات الاميركية. التهديد “الروحاني” هو اعلان على الطريقة الايرانية باجماع كل القوى على مواجهة الحصار الأميركي، الذي حينا لا يؤثر على البلاد وحينا آخر، ومع الوقائع، يثير أزمات اقتصادية مهما أنكرت مفاعيلها فهي خطيرة وآثارها عميقة.
تشعر ايران وخصوصا “الحرس” بفائض من القوة ناتج عن وقائع وتقديرات بعضها واقعي وبعضها الآخر قائم على انتصارات وانجازات محدودة وفي اغلب الأحيان مؤقتة. طبعا بقاء الرئيس بشار الاسد وتثبيت الوجود الايراني والروسي في سوريا، وبروز الوجود السياسي المؤثر في العراق ولبنان واليمن، رفع منسوب القوة لدى ايران كقوة اقليمية تملك الحضور والنفوذ. يضاف الى ذلك تضخم يومي في التسلّح يذكر في الإعلان اليومي عن إنجازاته بما كان يحصل في الاتحاد السوفياتي في عز الحرب الباردة وسباق التسلّح في مواجهة الولايات المتحدة ، حيث نتج عنه حسب الخطة “الريغانية” تعمق الازمة الاقتصادية وانخراط الشعوب السّوفياتية في الاحتجاجات حتى انهيار الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفياتي.
من الصعب وحتما من غير الضروري سرد “العراضات” اليومية للعروض المبرمجة للاسلحة المستحدثة والتي كان آخرها تجربة صاروخ باليستي متوسط المدى، اثار احتجاج حتى فرنسا بعد اميركا، وإنزال المدمرة “سهند” التي لا تلتقطها الرادارات اي من نوع “الشبح”(؟) وهي قادرة على حمل طائرات الهليكوبتر المزودة بمناظير للرؤية الليلية وصواريخ بحر ـ بحر وأخرى جو ـ بحر. بذلك اصبح الأسطول الايراني يملك ست مدمرات مسلحة بصواريخ من نوع “فاتح” التي تملك “رأساً باحثاً ومتطوراً وذكياً”. ربما هذه الأسلحة وغيرها هي التي تخيف الاميركيين وتدفعهم إلى وضع أساطيلهم بعيدا وفي مأمن من هذه الأسلحة وغيرها، لكن دون ان يحول ذلك تشديدهم على “الحرب الناعمة” التي تزرع الاعتراضات والاحتجاجات الشعبية، لانه لا يمكن صرف المليارات على الأسلحة وفي الوقت نفسه استثمار الأموال في الداخل لخلق فرص العمل وانتاج ما يحتاجه الايراني العادي في يومياته الطويلة والصعبة مع انهيار الريال وارتفاع منسوب التضخم الى درجة ان الرئيس روحاني وعد برفع زيادة الرواتب بنسبة ٢٥ ٪.
تظاهرات عمال شركة فولاذ الاهواز لأنهم لم يحصلوا على رواتبهم منذ فترة وهتافاتهم ضد تدخل بلادهم في سوريا، يؤكد عمق الأزمة ودقة الربط بين السياستين الداخلية والخارجية للقيادة. ايضا استعداد نواب أصفهان للاستقالة احتجاجا على عدم تخصيص الأموال اللازمة لمعالجة أزمة المياه والتصحر تماما كما يحصل في الأهواز وسيستان ـ بلوشستان وصولا الى طهران..كل ذلك بسبب سوء السياسة المائية من السدود الى تحويل الأنهار.
تستطيع ايران التسلّح حتى رأسها لكن ذلك لن يفيدها في المواجهة مع الولايات المتحدة الاميركية ولن يطعم الشعب الايراني الخبز. اكثر ما يمكنها فعله هو تصعيد المواجهة مع محيطها علما انه يوجد عقلاء مثل الدبلوماسي حسين درويش وند يؤكدون أن “ايران والسعودية هما بمثابة جناحي العالم الاسلامي وهما اللاعبان الرئيسان في منطقة الشرّق الاوسط ولا يمكن لهما تجاهل احدهما الآخر”.
السؤال متى سيغلب العقل والتعقل في ايران على القوة والاعتقاد أن الثورة مستمرة..وصولاً الى الانهيار.