لم تصل «عاصفة الحزم» بعد الى خواتيمها، لكن الأكيد أنها سائرة في ذلك الاتجاه.. وستنجح.
والمفارقة ان هذا «التأكيد« ليس مردّه فقط سيرورة القصف الجوي حتى الآن وتمكنه من لجم الاندفاعة الانقلابية ووقفها دون إتمام السيطرة على اليمن وقراره الشرعي، وإنما أيضاً، من ردّ فعل إيران وعمّالها وأدواتها على هذه العاصفة.. العاصفة!
والواضح مبدئياً، ان إيران سعت الى انقلاب في اليمن فوجدت في وجهها انقلاباً عاماً مضاداً في طريقة التصدي لها. ونمطاً جديداً في مقاربة تحدياتها وارتكاباتها وسعيها الدؤوب الى ملء الفراغ بنفوذها وسيطرتها. والواضح بعد ذلك، أن الصدمة التي أصابتها نتيجة ذلك، كانت كبيرة الى حدّ اخراجها من ثيابها ودفعها الى السفور التام في مواقفها، والى التخلي عن التورية والتمويه ولعبة الازدواجية المألوفة في أدائها على مدى السنوات الماضية.
راهنت وخسرت الرهان. افترضت ان الجانب العربي سيؤخذ بالضخ التهويلي مثلما سيؤخذ بدبيب الميليشيات المسلحة على الأرض. وسيؤخذ بالأداء الأوبامي مثلما سيؤخذ بالحقائق الميدانية المتسارعة.. اشتغلت بدأب الواثق، بأن سلبية الأخصام (والأعداء!) كافية لها لتحقيق ايجابيات مبتغاة ومشتهاة. وظنّت فوق ذلك ان الفوز بمعارك متفرقة يجعلها تربح الحرب. وان ضجيج السلاح يغيّر طبائع الأرض ويتلاعب بالديموغرافيا.. ثم افترضت أن الآخر (العربي) مأسور بأزماته المشتعلة وبتناقضاته التي تجعله عاجزاً عن انتاج موقف موحّد. استعجلت في أحكامها قبل أن تتأكد من حيثيات تلك الأحكام. عمّرت على فاصل في التاريخ ولم تأخذه كله مثلما يُفترض! وعمّرت على تفاصيل وتغافلت عن العموميات. وظنّت في المحصّلة، أن الفرصة سانحة للانقضاض وبناء أمجاد وتصفية حسابات قديمة ومعلّقة!
سوء حساباتها أنتج فتنة مديدة في العراق. ونكبة استثنائية في سوريا. ودولة ملتبسة في لبنان وكارثة انسانية في اليمن. لكن أسوأ ما في ادائها هو تعاملها مع الاستراتيجية بمنطق الهواة والتكتكة! ومقاربتها شؤوناً كبيرة بأدوات وسياسات صغيرة. ومحاولتها اللعب بخطوط ووقائع دولية بمنطق جغرافي وسياسي اقليمي وضيّق.
لم تتّعظ في العموم (الامبراطوري) من مسيرة الامبراطورية التي انهارت قرب حدودها الشرقية وكان اسمها الاتحاد السوفياتي العظيم، وراحت بعيداً في لعب دور المصارع بمعدة خاوية! ولم تتعظ في التفاصيل الحسابية بسيرة الحكام عند حدودها الأخرى في العراق، وفي نوبتين متشابهتين في النتيجة وان اختلفتا في المقدمات: لوّح عبد الكريم قاسم مرة بالتعدي على الكويت، فمضى هو وبقيت الكويت. وجرّب صدام حسين حرقها، فأحرقته وحوّلت نظامه أثراً بعد عين!
وذروة المقام في أدائها، هو وصولها الى الحرام: افترضت أن الشحن المذهبي سلاح سياسي يمكن ضبط ايقاعه وطلقاته وتردداته.. اشتغلت به حتى اشتغل بها وأوصل الى الفتنة الكبرى!
تفاجأت بـ»عاصفة الحزم» وبلغ مقدار غيظها السماء. وذلك لأنها تعرف (هذه المرة؟!) أن الزمن الاول تحوّل. وان حساباتها وصلت الى الحائط والزاوية المقفلة! وان اليمن عنوان لكن البيان أشمل وأوسع. ولن يطول الزمن قبل أن تكتشف فعلياً انها راهنت على عجز الآخرين فيما الواقع يقول إنها هي العاجزة.. عجزت وعاجزة عن استيعاب الحقيقة البسيطة القائلة، ان أحداً فوق هذه الأرض لن يرضى بالاعتداء على أرضه وقيمه وعقيدته واستقراره، وأيًّا كانت الأثمان!
«عاصفة الحزم» مجرّد عنوان في ذلك البيان!