Site icon IMLebanon

إيران بين التشدّد والانتخابات الواعدة بالتغيير!

اختار الشيخ هاشمي رفسنجاني أن يقرع بنفسه باب التغيير، وأن يضع إيران كلها وعلى رأسها المرشد آية الله علي خامنئي أمام الامتحان الكبير المتمثّل في الانتخابات المتكاملة لمجلس الشورى ومجلس الخبراء في 26 شباط 2016. عادة لم تكن الحملة الانتخابية تُفتح قبل مئة يوم، فلماذا استعجل رفسنجاني ووضع الجميع أمام التحدّي الذي لا يمكن المناورة عليه؟ إذ أنهى اللعب على الوقت، في مرحلة أنّ المرشد ومعه المحافظون المتشدّدون، يملكون «مفاتيح» السلطة والمؤسّسات الفاعلة؟

رفسنجاني الذي وصف نفسه بأنّه من «جهابذة النظام السياسي» ردّاً على نائب مجهول «شتمه»، أدرك وعرف، أنّ محاصرة الاعتدال والتغيير تتم بسرعة وشراسة، وأنّه شخصياً «الهدف الكبير» لعملية واسعة لإقصاء كل مَن يعارض «الخطاب الثوري» الذي يُخفي شبكات واسعة من المصالح والاستثمارات ووضع اليد على المزيد من المواقع المؤثّرة. الأسوأ أنّ وسائل هذه العملية تجاوزت كل شيء، إلى درجة أنّ الرئيس حسن روحاني خرج عن تحفّظه فقال مخاطباً «الحرس الثوري»: «يجب عدم استغلال تصريحات المرشد في سبيل مصالح شخصية وجماعية وفئوية»، ثم انتقل إلى «الذراع» الأخرى للمحافظين وهو القضاء الذي يرأسه آية الله صادق لاريجاني فقال: «القضاء يجب أن يكون ملح المجتمع.. إذا فسد الملح يصبح الباقي صعباً«.

قبل أشهر أُبعد رفسنجاني عن رئاسة «مجلس الخبراء«، وقبله أُبعد عن الانتخابات الرئاسية، وحُكم على ابنه بالسجن عشر سنوات. المواجهة ازدادت وضوحاً، لأنّها بلا شك بينه وبين خامنئي الذي وصل إلى ما وصل إليه لأنّه كان «توأمه» في المسار السياسي. اختار رفسنجاني فتح المعركة الانتخابية، بخطاب أمام الشريحة الأكثر وعياً والتصاقاً بالمستقبل في المجتمع الإيراني وهي التي تضم طلاب الدكتوراه. قال لهم: «هذه الانتخابات أكثر واحدة مصيرية وحاسمة.. إنّ ظروف التنفيذ يجب أن تكون على نحو يعزّز أمل الشعب والمجتمع لخلق ملحمة سياسية». الإيرانيون يعرفون ويريدون في العمق أن يكون التغيير في الداخل متلازماً مع مسار التغيير في الخارج، إذ لا يمكن مصالحة العالم، ومتابعة خطابات «الشيطان الأكبر»، التي تحرمهم من كل ما حُرموا منه طوال ثلاثة عقود. لقد تحمَّل الإيرانيون العقوبات وآثارها من أجل البرنامج النووي، فماذا ولماذا بعد دخول إيران النادي النووي؟

التقدّم في تنفيذ الاتفاق النووي، يعمِّق «الفصام» يومياً في الخطاب الداخلي. بعيداً عن خطابات الصواريخ والأساطيل البحرية وصحة الجنرال قاسم سليماني والاعتقالات المستمرة التي يقوم بها «الحرس» ومنها توقيف 170 ناشطاً في 11 مدينة، فإنّ «الفصام» يتبلور بين خطاب المرشد ومخاطبة الآخرين من الوسطيين والمعتدلين الذين يعتمدون في كلامهم أسلوب «الطبقات» التي يتموضع في ما بينها «السهم» الذي يجب أن يصل إلى قلب المجتمع الإيراني.

خامنئي يقول: «يحاولون الإيحاء بأنّ الولايات المتحدة الأميركية لم تعد تعادينا، إنّ هدف هؤلاء إخفاء وجه العدو أمام الشعب الإيراني لكي يغرس خنجره». الآخرون من المتشدّدين يصعّدون فيقولون بأن «لا مكان للأميركيين في إيران«. روحاني يردّ: «يجب ألا نهمّش كل مجموعة نختلف معها.. لا يمكن لأي ضابط أمن أن يتحكّم في الصحافة». أمّا «رجل» روحاني وزير النفط بيجين زنكنه فيدخل على المسار من باب مصالح وزارته فيقول: «إنّ الأجواء مفتوحة أمام الشركات الأميركية للاستثمار في صناعة النفط الإيرانية».. ثمّ يرمي زنكنة برميلاً من النفط على النقاش الداخلي فيقول: «إنّ الأوضاع العامّة للمجتمع لها دور مهم في دخول المستثمرين من الأجانب». إذاً «الرسالة» واضحة: الاستثمار يتطلب مجتمعاً منفتحاً ومتفهماً وراغباً في التعاون.

لم يبقَ إعلان رفسنجاني ترشيح نفسه لمجلس الخبراء (وهو حالياً عضو فيه)، بلا صدى. فقد سارع مَن يطلقون على أنفسهم المحافظين المعتدلين وأبرزهم علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى، الى بدء عملية لتشكيل جبهة تضم لاريجاني نفسه وناطق نوري (المرشح الفاشل لرئاسة الجمهورية)، والشيخ مرتضى معتقدائي وعلي ولايتي. لكن يبدو أنّ الأخير وهو مستشار خامنئي ينتظر الضوء الأخضر منه، لتأكيد أو نفي انضمامه.

انتخابات مجلس الشورى حامية. الرئيس روحاني معني مباشرة بها، لأنّ فوز المعتدلين والوسطيين والإصلاحيين بأكثر من النصف يسمح له بحرّية إصدار القوانين التي يريدها لإحداث الانفتاح الداخلي والخارجي بما يتوافق مع الاتفاق النووي.

أمّا انتخابات مجلس الخبراء، فإنها رغم أهميتها لم تحصل على الاهتمام الخارجي مباشرة. مجلس الخبراء جرى تهميشه طوال 25 سنة، أي فترة ولاية خامنئي، إلاّ أنّه في هذه المرحلة مهم جداً. مدّة هذا المجلس ثماني سنوات، أي ضعف مجلس الشورى، وهو الذي يشرف على عمل المرشد، وهو يمكنه تحديد صلاحيته لإتمام مهامه. وأخيراً هذا المجلس هو كما يُعتقد الذي سينتخب خليفة خامنئي «المريض». لذلك فإنّ فوز رفسنجاني بالانتخابات ومن ثم برئاسته يعني «تقييد» خامنئي مباشرة ووضع حدود لتدخلاته. لذلك لا يريد خامنئي أولاً أن يربح رفسنجاني.

السؤال إلى أي حدّ سيذهب خامنئي في المواجهة مع رفسنجاني في وقت لا يريد الإيرانيون «سورنة» بلادهم في وقت كل الأسباب والشروط والرغبات والإرادات التي منها داخلية وأكثرها خارجية تتمنى وتريد أن تنزلق إيران نحو «مغطس» «السورنة»! تكرار تجربة 2009 خطير..

كل شيء يعتمد على قرار المرشد خامنئي، هل يريد المحافظة على إيران أم على السلطة؟