Site icon IMLebanon

إيران بين ترامب و«عسكرة» المجتمع الشيعي!  

أسعد حيدر

منذ انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، وتمديد الكونغرس عشر سنوات للعقوبات على إيران، لم تتوقف ردود الفعل العنيفة والمحذّرة ضد واشنطن، من جميع المسؤولين الإيرانيين، لأنه لو نفّذ القرار بعد توقيع مجلس الشيوخ والرئيس الأميركي عليه، فإن ترجمة ذلك عودة إيران الى المربع الأول الذي اعتقدت أنها خرجت من أسره. ترجمة ذلك:

[ انهيار كل آمال النظام بجميع تلاوينه وتوجهاته من نهضة اقتصادية واسعة وشاملة، حتى ولو أخذت مجموعة الدول الخمس قرارات مستقلة عن واشنطن، لأن التداخل المصرفي وحتى الصناعي يحولان دون تحقيق استقلالية تسمح بالاستقلال عن القرار الأميركي.

[ العودة الى صعود إحداثيات الأزمة الاقتصادية بكل ما أنتجته سابقاً بعد حصول ارتياح في المجتمع الايراني، نتيجة لانخفاض التضخم ودخول الريال مرحلة انضباط سعره. المشكلة أن النظام قد ضبط فترة طويلة ردود الفعل الشعبية بخطاب «مقاوم للشعب الإيراني العظيم»، أما بعد أن أخذ هذا الشعب جرعة من الأوكسيجين بعد أن انخفض التضخم بعد مرور سنة على الاتفاق الى ٨,٣ بالمئة، حسب تصريح رسمي، فإن السؤال سيكون كيف سيتم ضبط ردود الفعل في الفترة القادمة، إذا عاد الحال الى حاله؟

القلق الشديد واضح في كل التصريحات الرسمية، وما يعمق ذلك هو الجهل التام بالسياسة «الترامبية» تجاهها بعيداً عن تصريحاته أثناء الحملة الانتخابية من جهة، ومن جهة أخرى التعيينات في هذه الإدارة التي تضم حتى الآن جميع «الصقور» في اليمين والمتشددين تجاه السياسة الإيرانية والمطالبة باتخاذ إجراءات ضدها. ومن مسلسل التعليقات والتصريحات ما قاله المرشد آية الله علي خامنئي: «إن إيران سترد على كل الخروقات (مثل تمديد العقوبات) لأن الهدف من الاتفاق كان إزالة الضغوط والحظر». واستكمالاً لذلك أعلن قائد «الحرس الثوري» أيضاً: «سندعم أي قرار مُتَّخِذ من القائد والحكومة ومجلس الشورى»، وأخيراً فصل الناطق الرسمي بهرام قاسمي ذلك بقوله: «أعددنا كل الخيارات لكل الاحتمالات»!

طبعاً لا أحد يعرف طبيعة هذه التهديدات ووسائلها، لكن كما يبدو فإن منسوب التشدد داخلياً وخارجياً سيتصاعد. داخلياً فإن المحافظين المتشددين وتحت إشراف المرشد سيحاصرون تحالف «الأمل» المشكّل من: الإصلاحيين والروحانيين والهاشميين، وإذا كان سيُعاد انتخاب حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية في أيار العام المقبل، فإنه سيُحاصر ويبقى ضعيفاً لا ينتج إصلاحاً ولا تنمية بسبب المواجهة مع أميركا والعقوبات. أما الأخطر فهو تمدد «الحرس الثوري» الى كل المرافق الاقتصادية والإمساك أكثر فأكثر بمراكز القرار باسم «الاقتصاد المقاوم».

هكذا بعد أن كان يمسك بأي مشروع تزيد ميزانيته عن عشرة بالمئة، فإنه وكما أعلن قائد «الباسيج» الجنرال نقدي فإن رجاله سيمسكون أو يشاركون في بناء وتنمية القرى وغيرها«.

الأخطر من كل ذلك وضوح المشروع الاستراتيجي للمرشد خامنئي ومن يقف معه، وقد تبلور ذلك في المسيرة الأربعينية للإمام الحسين. هذه المسيرة التي ضمت حوالى مليون وثمانمئة ألف زائر، لم تكن فقط ضمن المواجهة مع السعودية والحج والتنظيم… وإنما أبعد من ذلك. يقول مفكر إيراني: «لقد ضمت المسيرة وضمن تنظيم يُشهد له بالدقة وحسن الإدارة نحو المليون إيراني والباقي وهو عدة مئات من الألوف من الشيعة غير الإيرانيين مشكلين من أفغانستان وباكستان ومن جمهوريات إسلامية آسيوية ومن دول المنطقة كافة، أريد منها تحويل الجاليات الشيعية من أقليات متفرقة الى جسم واحد قوي تحت توجيه المرشد المباشر أو غير المباشر على قاعدة في الوحدة القوة». وقد بدا المرشد خامنئي واضحاً جداً عندما قال: «إن الظاهرة الإلهية للمسيرة الأربعينية حققت تقديم الولاء والاستعداد للتواجد في الساحات الصعبة«.

هذا «التجييش» للشيعة في العالم والعمل على تحويلهم الى جسم موحد ومتضامن، يتكامل حسب هذه الاستراتيجية في العمل على «عسكرة» هذا المجتمع بحيث يصبح قوة ضاربة لها حضورها الذي يفرض نفسه في دولها ولا يعودون أقلية لا وزن لها. ولا شك أن تجربة «حزب الله» الناجحة ولو باسم المقاومة في البداية وتحولها الى جيش عابر للحدود، يتم تعميمها في كل الدول بمختلف الطرق والوسائل، كما في «الحشد» العراقي، و»أنصار الله» في اليمن إلخ..

المشكلة أنه عندما يشعر النظام الإيراني بشدة الحصار فإنه سيعمد إلى العمل على فك الحصار بمزيد من التشدد وتفجير الساحات التي تطوقه، لذلك فإن السؤال كما يقول المفكر الإيراني «هل سيجد قادة الإقليم الوسائل للخروج من المواجهة الناتجة عن خوف كل طرف من الآخر وإلغاء المشاريع اللاغية من كل طرف للآخر لينقذوا المنطقة من أطماع الآخرين كما لم يحصل منذ مائة عام؟«.