جاء احتفال الايرانيين وحلفائهم بالتفاهم الاميركي – الايراني على الخلاص من عقدة الملف النووي، وكأن الامور قد انتهت بتراجع واشنطن عن كل ما كانت تطالب به، فيما الواقع يقول عكس ذلك، اي ان طهران هي من تراجعت عن تصلبها في هذا الملف، بدليل ارتياح الايرانيين الى ما تحقق بعكس ما كانت اميركا ترغب فيه، ليس لانها لم تقتنع بما حصل، بل لان الجمهوريين وحلفاءهم في اسرائيل كانوا يتطلعون الى نتيجة مختلفة تجبر ايران على وقف كل انشطتها النووية!
المهم بالنسبة الى ما حصل ان تفاهما قد تم التوصل اليه في اجتماعات لوزان، على امل ان تنسجم ايران مع ما طالبت به واشنطن، لا ان تكتفي طهران بالاعراب عما ينسجم مع مواقفها النووية التي تختلف جذريا عن التفاهم وما قيل عنه طالما ان التوقيع على الاتفاق يحتاج الى بعض الوقت اقله حتى اواخر حزيران الجاري. وكل ما قيل غير ذلك هو ضرب من السخرية!
ليس الموضوع ما تريده ايران، بل ما ترغب فيه واشنطن من وراء تدابيرها ان لجهة العقوبات الاقتصادية – المالية او لجهة ما كان يقال عن ان طهران تريد كذا وكذا، فيما الموقف الاميركي هو ما يعول عليه قياسا على ما قيل عن دفاتر شروط ومواقف لم تأخذ بها ايران الا بعدما تبين لها ان مجالات وضع شروط مضادة لن تكون مقبولة، وهذا ما فهم حتى انتهاء الاجتماع في لوزان وعودة الوفدين الاميركي والايراني والفريق الاوروبي الى دولهم!
لكن ما عرف عن التفاهم حتى اللحظات الاخيرة، فهو ان الاتفاق الذي تم التوصل اليه ان «لا قنبلة نووية مقابل رفع العقوبات، اضافة الى تعليق ثلثي التخصيب على مدى عشر سنوات، على امل ان ترفع اميركا والدول الغربية العقوبات المفروضة على ايران مع وعد بان لا مجال لاحقا لمزيد من الاجراءات بحق ايران، لاسيما ان غاية البرنامج النووي الايراني عدم وجود مواد انشطارية تكفل انتاج قنابل نووية.
وكانت مصادر قريبة من المفاوضات قالت ان مفاوضي مجموعة (5+1) الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين والمانيا اكدوا ان ايران اعربت عن استعدادها للاخذ بمطالب اميركا «سطرا سطرا» اما وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس فقد قال لدى مغادرته ان «الرهان مهم جدا لان الامر يتعلق بمكافحة الانتشار النووي» ما يعني ان مجالات حيازة ايران اسلحة نووية لم تعد واردة.
كما اجمع المراقبون على القول انه «اتفاق اطار» وهذا لا يعني تسوية نهائية للمسألة، بل تحديد ثوابت الاتفاق وتوضيحها بدرجة كافية من الدقة لتجنب كل ما من شأنه حصول التباس، حيث لا بد وان تبقى الخلافات في الحد الادنى وتحت المراقبة الصارمة، بحسب اجماع المفاوضين الاجانب على ضرورة السماح للمراقبين الدوليين بالكشف عن المفاعلات النووية الايرانية خشية تطور اية عملية بعيدا من المراقبين وبما يتناقض مع ما تقرر وجاء التفاهم عليه!
ولجهة ازالة العقوبات فان اوساطا مطلعة تؤكد في مطلق الاحوال انها لن تزال مرة واحدة، الا بعد تأكد الاميركيين من سلامة التدابير الايرانية، لاسيما ان صياغة النص النهائي للاتفاق سيتم الاعلان عنه في 30 حزيران اقله لمنع رفع الحظر المفروض على الايرانيين قبل ان تتأكد الادارة الاميركية من حسن تنفيذ التفاهم بحذافيره، خصوصا ان اللقاءات في جنيف مرورا بفيينا ونيويورك كانت تصطدم بمشكلتين هما العقوبات والابحاث ذات العلاقة بتطوير ايران بما يسمح لها بانجاز اجهزة الطرد النووي المركزي.
ما تجدر الاشارة اليه ان اميركا لن ترفع العقوبات المالية والاقتصادية مع الغرب الا بعد التأكد من سلامة الاجراءات الايرانية وليس قبل ذلك، وقال ديبلوماسي غربي «اننا نريد ان تعرف طهران بالتحديد كيف سيتم رفع العقوبات فيما يعرف الجميع ان لا مجال لرفع العقوبات قبل التأكد من التزام ايران بما نص عليه التفاهم، بما في ذلك قبل توقيع الاتفاق والكشف عن مضمونه في حلول 30 حزيران المقبل. وكل ما يتعارض مع هذه المعلومات لا بد وان تختلف المخارج السياسية المغايرة حيث لا مصلحة لاميركا والدول الغربية برفع العقوبات قبل معرفة التدابير التي ستعلنها طهران وتعمل بموجبها، فيما ظهر الشارع الايراني وكأنه قد حقق ما كانت طهران تحلم به لجهة ان يركع الاميركي ويقبل بما تطالب به من غير سؤالها عن النتائج وما اذا كانت ستلتزم بحرفية الاتفاق؟!
الخلاصة ان الموضوع يحتاج الى كثير من الوقت لمعرفة ما اذا كان الاميركيون قد حققوا ما يرغبون فيه، وهذا مطروح ايضا بالنسبة الى الايرانيين؟!