يعترف المحافظون المتشددون في الجمهورية الإسلامية في إيران، بأنهم خسروا «معركة» انتخابات مجلس الشورى والخبراء أمام جبهة «الأمل أوميد». لكن ما زالوا يشددون على أنهم لم يهزموا في «الحرب». لذلك تعمل جبهة المتشددين خصوصاً التجمع الأكثر تشدداً منهم «جبهة الصمود «بايداري»، لخوض «المعارك» الكثيرة القادمة وعلى رأسها وأهمها انتخابات رئاسة الجمهورية بعد 16 شهراً من الآن.
قبل الخوض في تفاصيل معركة الرئاسة، فإن ما يسبقها هو الملحّ ونتائجها ستساهم في توضيح وتأكيد الفوز على المدى القصير جداً، يواجه الجميع «معركة» الدورة الثانية، التي تدور حول 69 مقعداً. «جبهة الأمل» تبدو مطمئنة الى فوزها بأكثرية المقاعد، لكنها تعمل وكأنها تخوض الدورة الأولى حتى لا تقع مفاجأة ولو محدودة الحسم ينهي تسلّط المتشددين على المجلس، ويتيح للرئيس حسن روحاني تمرير مشاريعه الإصلاحية والاقتصادية، التي ستعزز شعبيته وتتيح له خوض «معركة» الولاية الرئاسية الثانية براحة واطمئنان.
في «مجلس الخبراء»، يبدو السؤال الكبير: هل يترشح الرئيس هاشمي رفسنجاني للرئاسة فـ«يكسر الجرة» نهائياً مع المرشد آية الله علي خامنئي. أم أنه بما عرف عنه من حنكة ومعرفة بكل الأوزان والشروط والخلفيات للقوى الظاهرة والباطنة في صياغة التوجهات، يمتنع ويرشح بديلاً له موثوقاً منه مثل الشيخ إبراهيمي أميني إمام صلاة الجمعة في قم؟ رفسنجاني أصبح واثقاً من نجاحه الى درجة أنه يقول علناً: «لا يمكن لأحد فعل شيء ضدّي»!
الصورة في طهران تبدو أكثر وضوحاً. «جبهة» الأربعة المشكّلة من الرؤساء هاشمي رفسنجاني وحسن روحاني ومحمد خاتمي والسيّد حسن الخميني الذي تحول الى «رمز» بعد إبعاده عن الترشح خصوصاً بعد دعم المراجع الكبار له سواء في قُم أو غيرها، تتقدم والآخرون يتراجعون!.
إن الكلام الذي كان داخل الجدران تحوّل بعد الانتخابات الى كلام ونقاش في الدواوين المفتوحة وهو: كيف الذي حصل على أكثرية أصوات الشعب أي هاشمي رفسنجاني لا يخطب خطبة الجمعة في جامعة طهران، والذي لم يصوّت له الشعب مثل محمد يزدي يخطب؟. الجديد أن رفسنجاني لا يبدو مستعجلاً، إذ يشدد على أن «لا حرمة» في صلاة الجمعة رغم قداستها، إذ ماذا أفعل لو خرج أحدهم وهتف «الموت للمنافق». أخاف من ذلك على الناس. وبدلاً من الوحدة يقع الانقسام«؟!.
بدوره، الرئيس محمد خاتمي الممنوع من الظهور الرسمي والسفر، عاد كما كان شخصية شعبية تُستقبل بالتقدير. تشييع والدته كان مناسبة لالتفاف الايرانيين حوله. وقد وصل الأمر الى درجة أنه عندما يدخل حالياً على الناس يقفون ويرحّبون به بهتاف: «صلوات الله على محمد وآل محمد».
بدوره، فإن الرئيس حسن روحاني، الذي كان متردداً في خوض «معركة» الرئاسة، حتى وقف معه هاشمي رفسنجاني بقوة، أصبح أكثر ثقة بنفسه وموقعه ودوره. ما يسهم في «تمدده الشعبي»، أنه ممسك بكل خيوط الادارة السياسية وخلفيات الغرف المغلقة وتفاصيلها لأنه سبق وأن مرّ في مسيرته بمعظم المواقع السياسية والأمنية الاستراتيجية والعسكرية والتشريعية ومعهد الدراسات السياسية. الأهم أنه يملك في شخصه قوة تفكير خاتمي، واندفاع أحمدي نجاد دون تهوره وشعبويته.
أما على «جبهة المتشددين« التي يحتمي فيها كل من الشيوخ: محمد يزدي ومحمد جنتي ومصباح يزدي (الذي يعتبر نفسه المؤدلج لهذه الجبهة) وعلم الهدى أمام جامع «مشهد»، تحت «خيمة» المرشد خامنئي، فقد كشفت الانتخابات وخسارتهم ضعفهم الشعبي، الى جانب أن هذه الخسارة سببت «الثقوب» في «الخيمة الخامنئية» شعبياً وسياسياً، الى درجة أنه لم يعد من الممكن العودة بالحال الى ما كان عليه الحال قبل الانتخابات.
ولا شك في أن ضعف جبهة المتشددين بلغ من الانهيار درجة لجوئهم الى شخص أحمدي نجاد لخوض الانتخابات الرئاسية ضد روحاني، علماً أنه مرفوض بسبب قضايا الفساد التي أحاطت بمساعديه الذين يوجد أربعة منهم في السجن، وأبرزهم رضا رحيمي. وإلى جانب ذلك، فهو متّهم بإفقار الخزينة بسبب توزيعه الهبات المالية والتي يعد بتكرارها كي «يرشي» الناخبين بإعادة انتخابه، وتمرده في نهاية ولايته على المرشد!
أخيراً، يبقى اللغز الكبير وهو ماذا عن «الحرس الثوري»؟ وهل تعني الخطابات اليومية لقياداته حول مواجهة الولايات المتحدة الأميركية والتهديد بكسر الاتفاق النووي، أن يستمر هذا «الحرس» في «تكتيف« يديه أمام صعود التيار المعتدل الإصلاحي، الذي سيخفف حكماً من حضوره كقوة سياسية واقتصادية متنفذة؟ وهل يمكن أن يقوم بانقلاب عسكري لوقف آلة التغيير ضد «خطه الثوري»؟
يؤكد الإيرانيون من جميع الاتجاهات، أن الانقلاب العسكري في إيران خارج كل أدبياته ونهجه. كذلك عدم انخراطه في أي مواجهة ضد «الشارع» بالقوة المسلحة. الى جانب ذلك، فإن تكوين «الحرس» يجعله جزءاً من المجتمع الايراني وتردداته، وهو لا يمكن إلا أن يأخذ بعين الاعتبار التزاماته البيئوية والدينية. يضاف الى ذلك، أن «الجسم» الذي شارك في الحرب وما بعدها، يدين ضمناً لصعوده الى هاشمي رفسنجاني، واما من يتحرك وفقاً لمصلحته لأنه ضعيف ويدين بمواقعه للمرشد خامنئي مثل الجنرال نقدي قائد الباسيج والجنرال فيروز آبادي نائب رئيس الأركان فإن قوته تنتهي عند الباب الخارجي لمكتب المرشد.
بالنسبة للجيش فإنه مؤسسة منضبطة جداً ليس في هذه المرحلة وإنما حتى في مرحلة الشاه، ولا حاجة لتكرار رواية بقاء فرقة «الخالدون» في ثكنتها وعدم تدخلها، مما أنجح الثورة دون إراقة الكثير من الدماء. ومن المهم الإشارة الى أن الرئيس روحاني يعرف بدقة تفاصيل تركيبة الجيش، لأنه تولى مناصب قيادية مسؤولة عنه، هذا عدا تاريخ رفسنجاني وخبرته في متابعة بناء الجيش بعد الثورة.
لا يعني أن كل التفاصيل مضبوطة ومختومة بالشمع الأحمر. في كل الحروب تقع مفاجآت، المهم أن لا تكون انقلابية أو غير محسوبة بالمطلق. وهذا صعب جداً، في هكذا مسارات تغييرية تجري على «نار هادئة».