ليس لبنان وحده مَن يراقب تطور الامور في المنطقة وما ستؤول اليه المفاوضات النووية بين الغرب بزعامة الولايات المتحدة الاميركية وبين إيران. لكن لبنان هو الوحيد بين أقطار المنطقة الذي عليه أن ينتظر نتائج هذه المفاوضات لكي يعرف هوية الرئيس الذي سيصعد الى قصر بعبدا ليمضي 6 سنوات تبدأ من يوم انتخابه في مجلس النواب. على امتداد تاريخ لبنان الاستقلالي كان رئيس الجمهورية اللبنانية موضوعا غير استقلالي إذا أخذنا في الاعتبار نسبة التدخل الخارجي في اختياره. ويتطلب شرح هذا الامر مساحة ليست متاحة في هذه الزاوية، لذا سيكون التركيز على ما ينتظره لبنان من تدخل يأتي بالرئيس الجديد الى قصر الرئاسة الاولى.
لا أحد يجادل في أن إيران هي القوة الاقليمية الرئيسية التي تقرر في لبنان حاليا بعدما كانت سوريا لأعوام قليلة خلت هي من تلعب هذا الدور. ويجب أن ننظر بحذر الى ما يطلقه وزير الخارجية الاميركية جون كيري من تطمينات بشأن نتائج الاتفاق النووي مع إيران، إذ أن الحاضر والماضي في سياسة واشنطن يبشر بأن الصفقات أمر وارد إذا أقتضت مصالحها ذلك. وآخر الصفقات تلك التي سلكت طريقها الى العلن في ما كتبه نائب الرئيس السوري فاروق الشرع في كتابه الجديد “الرواية المفقودة” فأورد ما دار في لقاء الرئيس الراحل حافظ الاسد والرئيس جورج بوش الأب في تشرين الثاني 1990: “… بدأ بوش الحديث عن عون (العماد ميشال) فقال إنه من الافضل أن يتم السماح له بالخروج الى فرنسا بمبادرة من الاسد، وهذا الموضوع لا يلحق ضررا بمصالح سوريا ويحسّن العلاقات السورية – الفرنسية في الوقت نفسه”. يضيف الشرع أن الاسد “وافق على خروج عون” وهذا ما حصل.
بالطبع ليس في هذه المعلومات اكتشاف. كما أنه لن يكون هناك اكتشاف أيضا إذا ما علمنا لاحقا ما يدور بين واشنطن وطهران حاليا من مشاورات تتعلق بشؤون المنطقة ومن بينها لبنان. لا بل إن ما هو معلن حتى الآن هو أن خيار إيران أن يصل العماد عون الى قصر بعبدا. فإذا ما تحقق ذلك يكون التاريخ قد دار دورة كاملة على مدى ربع قرن. فالصفقة بين الابوين بوش والاسد التي أخرجت عون من القصر الى منفاه الباريسي عام 1990 ستعيده الى القصر سنة 2015 بصفقة بين الرئيس باراك اوباما وولي الفقيه علي خامنئي؟
بكل تأكيد لن يقبل العماد عون أن يقال انه يصل الى قصر بعبدا بصفقة كهذه. لكن الدكتور سمير جعجع الذي يدير حوارا اليوم مع العماد عون لا يرى في وصول عون الى رئاسة الجمهورية حاليا سوى وصول “حزب الله” الى القصر الرئاسي. وكل التمنيات الطيبة التي تطلق حاليا بشأن رئيس مسيحي قوي يعيد حقوق المسيحيين تعني في الظروف الراهنة وصول رجل إيران الى قصر بعبدا. باختصار إن ما تريده طهران هو جنرال إيراني رئيسا ولو كان لبنانيا منذ أكثر من عشر سنوات.