IMLebanon

أسباب الخسائر الإيرانية الكبيرة

إيران وميليشياتها بدون طائرات روسية، تساوي كماً من الصناديق الصفراء المجهزّة لمواكب الدفن، يوماً بعد أخر، تثبت الأحداث العملانية أن هذه القوة ليس لديها من استراتيجية عسكرية سوى قذف سلاسل بشرية في وجه الخصم كتكتيك لإعاقته عن التقدم وذلك بجعله يتعثر بجثث المقاتلين، فالمقصود ليس القضاء على الخصم، ذلك هدف ليس بالإمكان، المقصود منع الخصم من التقدم إلى الهدف النهائي، حتى تأتي الظروف برياح مؤاتية لقادة إيران.

من اجل الحفاظ على رأس بشار الأسد في السلطة، وفي سبيل الحفاظ على سيطرته على العاصمة دمشق، كي لا ينقص عدد العواصم التي أعلن الملالي سيطرتهم عليها، تلقم إيران حملة الصناديق الصفراء بمئات وآلاف من الشباب العاثر في إيران ومن مخيمات اللاجئين الأفغان ومن أرياف باكستان وضواحي المدن العراقية واللبنانية، تقذفهم للموت بعيون مفتوحة وعلى وقع أغان حماسية عن الثأر لآل البيت والطريق إلى القدس الذي يبدو أن إيران سترصفه بآلاف الجثث قبل أن تكتشف انها ضلت عن مسار ذلك الطريق.

غير أن إيران هذه ورغم نبرتها العسكرية العالية، والطاقات الهائلة التي تهدرها على الحروب، لم تتعلم حتى اللحظة أساليب الحرب وطرق القتال، لا فرق بين استراتيجية وتكتيك لديها، وكأن لا تاريخ ولا حاضر عسكري، هذا ما تثبته تجاربها العملانية على الأرض في سورية، حيث يتضح أن قوتها مصممّة لنمط من الأعمال العسكرية لا يحتوي على مواجهات مباشرة ولا خصم واضح ومحدّد، في الغالب هذا الخصم ليس عسكرياً، مجرد بيئات مدنية أمنة يجري الإطباق عليها بفعالية السلاح والكثافة النيرانية، شيء يشبه أفعال زعران الحارات، وطبيعي أن يكون الأمر على هذه الشاكلة ما دامت هيكلة القوى العسكرية والسلطوية الإيرانية وأساليب عملها تشبه كثيراً هيكلة التنظيمات المافياوية وأساليب عملها.

كانت إيران تخفي عيوبها العسكرية في مرحلة سابقة عبر التلطي بالميليشيات العديدة التي صنعتها في المنطقة، وكانت هذه الميليشيات تعمل في مناخ من الحرية، بمعنى التحرّر من كل التزام أخلاقي أو عسكري، فقد صنعت سطوتها عبر المجازر والارتكابات التي قامت بها في أرياف سورية والعراق، وقبلهما في شوارع بيروت، حيث لا مواجهات حقيقية يمكن اختبار مدى قوة هذه التشكيلات.

غير أن تصاعد قوة الثورة السورية واشتداد عصبها، كشف الكثير من عيوب هذه القوة، وأكثر من ذلك استنفذ الصراع في سورية قدرة هذه التشكيلات وحطم بنيتها، وهو ما استدعى توسل إيران للقوة الروسية كي تنقذ المشروع الإيراني برمته من ورطته القاتلة التي وصل إليها، حينذاك كانت القوى المدعومة إيرانياً تنهار أمام ضربات المقاتلين السوريين في سهل الغاب وجبال اللاذقية وسهول حوران، وكانت تسيطر عليها حالة من اليأس وقناعة بأن الأمور تفلت من بين يدي إيران وجماعاتها بسرعة كبيرة.

استعادت إيران شيئاً من الثقة بالنفس على أثر التدخل الروسي، واستفادت كثيرا من المظلة التي وفرها سلاح الجو الروسي وحالة الإرباك التي سادت بين صفوف فصائل المعارضة السورية وقامت بضخ أعداد كبيرة من المقاتلين في ساحة المعركة وذلك على أمل إنجاز مهمة القضاء على الثورة السورية وتثبيت سيطرتها في أسرع وقت ممكن وقبل انتهاء المهمة الروسية، وكان في مدرك القادة الإيرانيين ان الأمر لن يعدو سوى المسير في أرض خالية من المقاتلين ما دامت الطائرات الروسية تشن حرباً ساحقة تستعمل فيها سياسة الأرض المحروقة.

لكن ما حصل ان روسيا تعرضت لضغوط عديدة من قبل أطراف إقليمية ودولية، كما انها ارتكبت أخطاء كثيرة عبر قتلها للمدنيين، بالإضافة إلى اكتشافها أن التقديرات الأولية التي بنتها عن الحرب ضد فصائل المعارضة لم تكن دقيقة، وان سورية لن تكون الشيشان ولا صورة قريبة منها، كل ذلك صنع فوارق بين الأهداف الروسية والإيرانية، ووضع اختلافات بين أساليب عمل كل منهما، وهو ما جعل روسيا تخفف من كثافة ضرباتها في بعض المناطق وتوظيف قوتها العسكرية لتحقيق أهداف سياسية عبر الضغط على المعارضة والأطراف الإقليمية الداعمة لها، وليس من خلال عمل عسكري يومي على الجبهات.

وقد انعكس هذا التغير على واقع القوة الإيرانية، ذلك ان طهران التي توسعت في عملية نشر مقاتليها وجدت نفسها أمام حالة انكشاف بعد أن فقدت الغطاء الجوي الروسي، وإن كان هذا الغطاء لم يغب نهائيا إلا أن فصائل المعارضة استطاعت الاستفادة من هذه الحالة، وعزّز من هذه الوضعية إصرار الميليشيات التابعة لإيران على استمرار عمليات الهجوم اعتقاداً منها ان الضربات الروسية على فصائل المعارضة وعلى مدار أكثر من ست شهور قد أفقدها القدرة على الدفاع عن نفسها وأخرجها نهائياً عن نطاق الفعالية العسكرية ولم يعد الأمر بحاجة سوى لضربات بسيطة وينتهي كل شيء، وما حصل أن إيران كانت تزج بعناصر قواتها وعناصر الميليشيات التابعة لها إلى المحرقة وهي تجرب كيف يكون القتال.

لا شك ان ما تعلنه إيران عن خسائرها أقل بكثير مما تتكبده في ساحات المعارك، ورغم الضعف الفاضح لقوة إيران ورغم الانتكاسات الكبيرة التي تواجهها ميليشياتها، إلا أن الصوت الذي يصرخ عالياً في شوارع طهران والمدن الإيرانية ويسمع صداه في سورية ولبنان والعراق معلناً الحرب المقدسة على شعوب المنطقة ما زال عالياً، وكأن نكهة الموت على وقع ذلك الصوت لها طعم خاص بحيث يغيب العقل كلية عن التفكير والتدبر!.