Site icon IMLebanon

إيران معنية بقمة سنغافورة و «الاتفاق النموذج»

 

يتعمق المأزق في إيران. لكنها ليست وحدها. الآخرون أيضاً خصومها الكثر والموقعون على الاتفاق النووي ليسوا على ما يرام وإن تفاوتت الأوضاع والظروف. ولا يبدو أن ثمة مخرجاً من هذا الاستعصاء. رمى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بانسحابه من الاتفاق كرة النار في مرمى الجميع وفي مرمى إدارته أيضاً وشركائه. الاتحاد الأوروبي يخوض مواجهة صعبة ومصيرية مع حليفه الاستراتيجي في المقلب الثاني من الأطلسي. لا يقتصر الأمر على معركته للحفاظ على هذا الإنجاز الذي كان لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما الدور الكبير في تحقيقه عام 2015 بعد مفاوضات طويلة ومضنية. يخوض معركة إثبات وجود مختبراً قدرته على مواجهة العقوبات الأميركية التي تلوح بها واشنطن للمتعاملين مع طهران. ويخوض معركة أكثر قساوة مع الولايات المتحدة التي تملصت من توقيعها على اتفاق باريس للمناخ وأعادت فرض رسوم جمركية تعتبرها دوله مخالفة لقوانين التجارة الحرة. وطغت أجواء هذه الرسوم على قمة مجموعة السبعة في كندا نهاية الأسبوع الماضي.

الرئيس حسن روحاني حضر قمة منظمة شنغهاي للتعاون حاملاً ملف تداعيات العقوبات الأميركية على اقتصاد بلاده. هذا ما يعنيه أكثر من إعلان دول المنظمة تمسكها بالاتفاق النووي، أو سماعه حرص الصين بعد روسيا على ذلك. ليس بمقدوره الدفاع عن بقائه. بدأ رموز التيار المتشدد يستعدون لمرحلة ما بعد دفنه. وأمر المرشد علي خامنئي بالاستعداد لزيادة تخصيب اليورانيوم إذا انهار الاتفاق. وقد أعلن علي أكبر صالحي رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية الأسبوع الماضي المباشرة قريباً في تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة في منشأة نطنز قرب أصفهان. وواضح أن النخبة السياسية في الجمهورية الإسلامية تناور في مواقف مختلفة حيال موقفها النهائي من الاتفاق بعد انسحاب الولايات المتحدة منه. وهي تدرك أن الضمانات التي تطلبها من الاتحاد الأوروبي أو الدول الثلاث الموقعة على الاتفاق، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، لا يمكن توفيرها. علماً أن واشنطن لا تبدي أي استعداد لاستثناء دول الاتحاد وشركاته ومصانعه من العقوبات التي بدأت تتخذها ضد الجمهورية الإسلامية. كما أن الشركات الأوروبية الكبرى تخامرها شكوك في قدرة بلدانها على حمايتها من نتائج هذه العقوبات إذا واصلت تعاملها مع إيران. وهي بدأت تستعد للخروج من السوق الإيرانية.

 

لا تبدي واشنطن أي تساهل. وزير الخارجية مايك بومبيو الذي يواصل مساعيه لبناء تحالف واسع لمواجهة طهران، رد سريعاً على الأنباء عن الاستعداد للعودة إلى تفعيل البرنامج النووي. شدد مجدداً بأن بلاده لن تسمح للجمهورية الإسلامية بتطوير أسلحة نووية. وبنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي حذر من أن الرئيس بشار الأسد لم تعد لديه حصانة تجعله في مأمن. وكرر أن إسرائيل «لن تحتمل تموضعاً إيرانياً في سورية». في المقابل هدد علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإيراني بأن الشرق الأوسط سيكون في خطر إذا شعرت إيران بأنها محاصرة بالأعداء. ولكن لا يبدو أن الجمهورية الإسلامية محاصرة حتى الآن. لا تزال حاضرة في «العواصم» العربية الأربع وإن على قلق في بعضها. الحصار القاسي هو ما يواجه اقتصادها في ضوء الاضطرابات الداخلية المتنقلة، وارتفاع معدل البطالة وانهيار الريال…

على رغم التهديدات المتبادلة بين إيران وخصومها لا يبدو أنها ترغب في مواجهة مباشرة مع إسرائيل في سورية. حتى الآن استطاعت روسيا ضبط الإيقاع. وتجلى ذلك في الترتيبات الخاصة بجبهة الجنوب السوري على الحدود مع الأردن وإسرائيل. لكنها لن تذهب بعيداً في استجابة رغبة الإسرائيليين. ليس متوقعاً أن تشتبك روسيا مع إيران، حتى وإن عبرت عن رغبتها في إخلاء كل القوات الأجنبية لسورية. بل لا مصلحة لها في فك التحالف معها. إنها تحتاج إلى قوى ميدانية على الأرض تعفيها من إرسال قوات برية روسية إلى بلاد الشام. وهو أمر تخشاه لريبتها من أن الأميركيين يرغبون في زجها في المستنقع السوري وتكرار تجربة أفغانستان. أبعد من ذلك ليست مستعدة لتوتير علاقاتها مع إيران من دون أي مقابل. فهي استغلت طويلاً هذه الورقة في مناسبات عدة. غازلت الإدارات الأميركية منذ بدء المفاوضات على البرنامج النووي في عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد. وأثارت استياءه واستياء حكومته في ترددها حيال إنجاز مفاعل بوشهر، وفي امتناعها عن تزويدها منظومة صواريخ «أس 300». وشهدت تلك الفترة مشادات وانتقادات متبادلة. ولم تخرج روسيا على الإجماع في تبني قرارات فرض العقوبات الدولية على الجمهورية الإسلامية قبل إبرام الاتفاق النووي في العام 2015. ولا شك في أنها مستعدة لاستغلال هذه الورقة في صراعها السياسي مع الولايات المتحدة وأوروبا وحتى مع الدول العربية التي تناصب طهران العداء. والأخيرة لا تملك سوى مراعاة موسكو والحرص على العلاقات معها. فهي تدرك حجم حاجتها إلى دولة كبرى تملك حق الفيتو في مجلس الأمن، ويمكن الاعتماد عليها في المحافل الدولية.

 

قمة سنغافورة غداً بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الكوري الشمالي كيم جونغ لن تكون حدثاً إقليمياً فحسب. ستخلف تداعيات على مجمل المشهد الدولي، أياً كانت النتائج. ولا شك في أن إيران ستراقب مدى نجاح هذا اللقاء وصورة انعكاس «الاتفاق النووي» المرتقب بين الزعيمين على مستقبل اتفاقها النووي. رأى كثيرون أن سياسة القوة والتهديد التي استخدمها البيت الأبيض مع بيونغ يانغ أثمرت. وكان آخر المعجبين بهذه السياسة وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون. عبر عن إعجابه بأسلوب الرئيس الأميركي في استخدام القوة في التفاوض، وإن أدى الأمر إلى «كل أنواع القطيعة واللحظات الفوضوية». العبرة بأي حال في النتائج. فليس مضموناً أن يتخلى كيم فوراً عن ترسانته النووية ما دام أنها كانت وراء القمة. أي أنها كانت هي الأخرى أداة تهديد فعالة وحيدة تملكها بلاده.

 

ولعل الوزير البريطاني تناسى دور الصين في الانعطافة الكورية الشمالية. فهي كانت ولا تزال تفيد من هذه الورقة مستغلة حاجة بيونغ يانغ إليها سياسياً واقتصادياً. ألا يكفي أن اليابان تعيش على وقع مخاوف مزدوجة: تخشى ألا تسفر القمة غداً عن اتفاق حاسم لنزع السلاح النووي لبيونغ يانغ كما وعدت هذه، على ما نقل وزير الخارجية الأميركي بومبيو عن الزعيم الكوري الشمالي الذي قال إنه أبلغه استعداده لنزع هذا السلاح. وتخشى أيضاً أن تجد نفسها معزولة في المرحلة المقبلة. وهو ما تسعى إليه بكين. لقاء رئيس وزرائها شينزو أبي مع ترامب لم يطمئنه إلى كثير من الملفات وعلى رأسها ما شدد عليه الزعيم الياباني، أي تحقيق تقدم ملموس في الملف النووي والصاروخي لكوريا الشمالية خصوصاً. ووجوب منح الولايات المتحدة بلاده استثناء من التعرفات الجمركية الجديدة على الصلب والألمنيوم.

 

حتى الرئيس بوتين سعى إلى استغلال ورقة كوريا الشمالية فبعث قبل أيام بوزير خارجيته سيرغي لافروف إلى بيونغ يانغ. يود بالطبع توجيه رسالة إلى المعنيين في الإدارة الأميركية أن روسيا يمكنها أن تؤدي دوراً في القضية الكورية، سلباً أو إيجاباً. تماماً كما تفعل بكين التي زارها كيم مرتين منذ إعلانه عن القمة المرتقبة مع ترامب. وحرص الزعيم الروسي على لقاء قمة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، عشية قمة سنغافورة. يرغب في تعزيز العلاقات مع بكين بعدما طلقت من زمن موقف الحياد الذي طبع سياستها في سنوات الحرب الباردة بين الجبارين. بات من مصلحتها أن تنسق مواقفها مع موسكو. ومارست هذه السياسة في كثير من الملفات والقضايا الدولية، خصوصاً في مجلس الأمن. تجمع البلدين مصلحة مشتركة في الوقوف معاً لانتزاع موقع ندي لواشنطن في إدارة شؤون العالم. وفي حين تقيم الصين على أبواب حرب تجارية مع الولايات المتحدة، تخوض روسيا مواجهة مع الأخيرة تبدأ في أوكرانيا ولا تنتهي في سورية. وفي ضوء هذه المواجهة يبدو مستبعداً أن يلجأ الكرملين إلى مواجهة مع طهران. بل قد ينحو منحى بكين في استخدام علاقاته مع إيران ورقة تفاوض مع الولايات المتحدة… إلا إذا نجحت فعلاً سياسة «القوة وإشاعة الفوضى» التي يستخدمها الرئيس ترامب في انتزاع تعهد واضح من كيم بنزع ترسانته النووية فلا يكتفي بتدمير برنامجه للصواريخ الباليستية.

 

إيران التي تراقب، مثل الصين وروسيا، نتائج الصراع بين ضفتي الأطلسي وتتطلع إلى تحالف متين مع بكين وموسكو، تنتظر نتائج قمة سنغافورة غداً. هل يبرم ترامب اتفاقاً مع كيم ليس بعيداً عما أبرمت هي مع الرئيس باراك أوباما؟ أم هل ينتزع تعهداً واضحاً من الزعيم الكوري بتدمير ترسانته النووية والصاروخية الباليستية ليكون اتفاقاً نموذجياً يحتذى؟