IMLebanon

إيران بين نزاع الحرب والسلام

لطالما اعتُبِرَ أخيراً أنّ ما يحصل بين طهران والغرب هو قمّة النشاط الدبلوماسي الحالي على صعيد العلاقات الدَولية حيث استُبدل هذا النشاط بوسائل التهديد المتبادَلة التي فرضتها نتائج المواجهة بين الطرفين.

إذ كان لنموّ الدور الإيراني في المنطقة وتوسّع النفوذ سبب كبير لتدويل هذا الملف الذي انتقل إلى المفاوضات بدلاً من المواجهة التي سبّبتها أحداث خطف الطاقم الدبلوماسي لسفارة الولايات المتحدة في طهران وقطع العلاقات، وصولاً إلى العقوبات الأميركية على إيران من خلال منع شركات وأفراد أميركيين من إقامة علاقات تجارية معها إلّا بإذن رسمي صادر عن وزارة الخزانة الأميركية.

وتطوّرت هذه العقوبات لتصل إلى حدِّ منع المصارف الأميركية من التعامل مباشرة أو بالواسطة مع القطاعين العام والخاص في طهران، لتصل العقوبات إلى قطاع النفط وتجميد أرصدة شركات ومؤسسات وأفراد يقيمون علاقات تجارية مع إيران مع بعض الإستثناءات.

وفي مطلع العام 2002، وبعد أن أصبح البرنامج النووي لإيران علنيّاً، أصدر مجلس الأمن بيانات عدة يحذّر فيها إيران من مغبّة إمتلاك سلاح نووي أو إستخدامها برنامجها النووي لأهداف غير سلميّة لكنّ هذا الأمر لم يحصل مع إسرائيل!!!

غير أنّ إيران تابعت تطوير هذا البرنامج ما استدعى حذر الدول العظمى، فراحت تُعِدّ العدّة لتطويق إيران حيث أصدر مجلس الأمن قرارات متلاحقة وبمعدّل قرار في السنة منذ العام 2006 وهي القرارات 1737/2006 و1747/2007 و1803/2008 و1929/2010، كذلك فعل الإتحاد الأوروبي الذي تابع ما بدأه مجلس الأمن فأصدر قرارات في العامين 2011 و2012 تمحورت حول فرض عقوبات إقتصادية على كلّ ما يرتبط بالبرامج الإيرانية وحظر التعامل الدولي معها في هذا الصدد وتجميد الأرصدة المخصَّصة لهذه الغاية في العالم سواء أكانت إيرانية أم لأيّ طرف يتعامل معها، ليشمل الحظر بيع الأسلحة على أنواعها وصولاً إلى وقف العلاقات التجارية ووقف شراء المنتجات النفطية أو الإستثمار النفطي في إيران، وتجميد الأرصدة المصرفية لأشخاص إيرانيين في الخارج يتولّون مهامَ سياسية أو عسكرية أو يساهمون في دعم إيران وصولاً إلى وقف إعطاء تأشيرات دخول لبعض الإيرانيين…

كلّ ذلك حَرَم إيران من التمكّن من تصدير 2،2 مليون برميل نفط يومياً ما قلّص التصدير إلى حدود 700 ألف برميل، وخسارة عائدات بمعدل 6 مليارات دولار شهرياً، كما أدّى ذلك إلى انكماش الإقتصاد الإيراني وتدهورت قيمة النقد بحدود 75 ٪ مقابل الدولار الأميركي، وازداد التضخّم وارتفاع أسعار السلع إضافة إلى شحّ الإحتياطي المركزي لجهة النقد والعملات الصعبة والمعادن…

أما وبعد، فالتفاوض النووي الذي بدأ في أواخر العام 2013 أثمر بياناً في نهاية آذار من العام الحالي تعهّد فيه الطرفان بتوقيع إتفاق تقوم بموجبه إيران بالتعهّد بتخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي بحدود الثلثين من 19 ألفاً إلى 6 آلاف ومخزون اليورانيوم من عشرة آلاف إلى 300 كلغ، وعدد المواقع النووية بحيث يتمّ وقف العمل لمدة 15 عاماً على الأقل بموقع «فوردو» النووي بعد سحب ثلثَي أجهزة الطرد الموجودة فيه، وتدمير الجهاز الأساس الذي يعمل به موقع «آراك للمياه الثقيلة» من دون إعادة محاوَلة بنّاءه لمدة خمسة عشر عاماً أيضاً، والإبقاء على موقع «نطنز» النووي في إطار التخصيب في المجال البحثي والطبّي والعلمي والسلمي من دون أيّ غايات عسكرية.

إضافة الى ذلك، تُمنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية صلاحية مراقبة حسن تنفيذ هذا الإتفاق لمدة 25 عاماً، وهي التي سترفع تقارير إلى الدول الست حول مدى التزام إيران أو عدمه بمضمون هذا الإتفاق، بحيث يكون لها صلاحية وسهولة مراقبة المواقع المُشار إليها في الإتفاق كلّها على قاعدة Easy of entry.

وإذا كان هذا الإتفاق لا تزال أمامه عقبات بسبب عدم إقتناع الغالبية البرلمانية في الكونغرس الأميركي به حيث يُوَاجَه بمعارضة الجمهوريين الذين يملكون هذه الغالبية، يبدو أنه ليس سهلاً على الرئيس إقناع أكثرية موصوفة بتأمين منع حصول فيتو على ممارسة صلاحيّته في الموافقة على التوقيع على هذا الإتفاق، بحيث لا يُعتبر تصرّفه منتجاً لآثاره القانونية في حال أَقرَّ الكونغرس قانوناً يمنع الرئيس من التوقيع على إتفاق مماثل وليست فرنسا بمنأى عن هذا الواقع أيضاً.

وإذا كان الإطار الواقعي والقانوني لمشروع الإتفاق يندرج ضمن السياق المذكور أعلاه، فيكون من النافل القول إنّ هذه الدولة أو تلك قد حققت إنتصاراً في هذا الإتفاق إذ تكون الدولة التي تنازلت عن برنامجها النووي لغايات عسكرية أو بهدف الحصول على قنبلة نووية بالإضافة إلى منع تأثير نفوذها في محيطها لأنها اعتبرت أنّ المفاوضات السبيل الوحيد للتخلص من النتائج الكارثية التي رتبتها العقوبات المشار إليها إعلاه كلها، بحيث عندما يصبح الإتفاق نافذاً تكون قد انتصرت الديبلوماسية على مشاريع الحرب في المنطقة وبسط النفوذ،

لتعود إيران إلى مسرح العلاقات الدولية في الإطار الطبيعي، تحكمها الشرعية الدولية التي ستسلّط رقابتها عليها بحدود 25 عاماً، إذ إنّ مجرد مخالفة إيران لهذا الإتفاق سيجعلها تخضع مجدّداً للسيناريو الذي عاشته في إطار علاقتها مع المجتمع الدولي آملين أن تحذوَ إسرائيل حذوَ طهران فيتوقف عدوانها وتمتثل للشرعية الدولية.