ليست أحوال ايران بعد التدخل الروسي في سوريا كأحوالها قبله. صحيح أنها سعت اليه مضطرة، وأشاعت أن الروس جاؤوا بدعوة منها، ليعملوا ضمن استراتيجيتها. لكن الوقائع تبيّن أكثر فأكثر أن روسيا بدأت عملياتها على نحو أنعش النظام السوري وطمأن حليفه الايراني، ثم انعطفت شيئاً فشيئاً لتعمل بشروطها وأبرزها التنسيق مع اسرائيل، بل أهمها اندفاعها الى تعزيز الجيش السوري على حساب ميليشيات شكّلتها ايران ودرّبتها أو استوردتها ومنها “حزب الله”، وكذلك على حساب بشار الاسد لأن اعادة الاعتبار إلى الجيش تعني تخليصه من سمعة “الجيش الأسدي” واستعادته سوريته.
صحيح أن تضارب المصالح الروسية – الايرانية لم يقفز بعد الى العلن، وقد لا يؤدي الى صدامات، لكن استدعاء الاسد الى موسكو وما تبعه من اقتراحات قدّمتها روسيا في اجتماع فيينا، والحركة الديبلوماسية التي نشطت باسم “الحل السياسي”، أظهرت بوضوح أن الروس لم يتمكّنوا من البقاء في اطار التمنيات الايرانية – الاسدية. ومجرد أن يتوقف وزير الخارجية السعودي عن تكرار عبارة “لا حل بوجود الاسد” ليقول بعد فيينا إن هناك “بعض التقدّم” نحو الحل، فهذا يعني أن ثمة معطيات جديدة لم تكن متوافرة قبل التدخل الروسي ولا قبل الحديث المباشر بين فلاديمير بوتين والاسد. طوال الأعوام الخمسة الماضية كان مفهوماً أن أي حل سياسي يتطلّب تنازلات من الاسد، وأنه يتهرّب منها ليقينه بأن بداية التنازل تعني بداية السقوط. إلا أن الروس أنقذوه من السقوط مقابل قبوله بصيغة للخروج.
ثمة احتقانات كثيرة تراكمت عند ايران في الشهور الأخيرة، من اليمن الى سوريا الى العراق، فضلاً عن متطلبات تكيّفها مع شيطانها الأكبر اميركا، وعن ضرورات السكوت على وجودها في الخندق الروسي مع شيطانها الأصغر اسرائيل. لذلك يتساءل كثيرون عن خطوتها التالية، ويتخوّفون من أن تختار الحلقة الأضعف، أي لبنان، للقيام بأي مغامرة استعادةً لهيبتها واعادة تلميعٍ لنفوذها. مردّ هذه الخشية الى أن ايران باتت تعتبر السعودية عدوّها الأول، وليس اميركا أو اسرائيل، وما لا يقوله الملالي في طهران للشحن ضد السعودية يتولّاه السيد حسن نصرالله في بيروت. لكن خيارات المواجهة في لبنان محدودة، إلا اذا كان “حزب الله” يريد الانتقال الى “اسقاط النظام”.
في خطاب عاشوراء قال نصرالله إن خصومه راهنوا على الاتفاق النووي، فسأل هل باعتنا ايران بعد الاتفاق، وأجاب بأن “إمامنا خامنئي واخواننا هم أعلى وأشرف من أن يبيعوا صديقاً أو حليفاً”. واقعياً، كان يخاطب الايرانيين قبل خصومه اللبنانيين. فإيران لن “تبيعه” بل ستغيّر وظيفته، فـ”المقاومة” ضد اسرائيل لم تعد على الأجندة، والعد العكسي لعودة “حزب الله” من سوريا بدأ. لذلك فإنه يحتاج الى ضوء أخضر ايراني للقيام باستعراض قوة وصولاً الى انتزاع مكسب سياسي على حساب “صيغة الطائف”.