جيّد (مرة أخرى) أن يذهب الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني الى إعلان التورّط المباشر، وليس بالواسطة، في ما يعتبره “رداً” على منع بلاده من تصدير النفط، وذهابه الى التهديد مجدداً بمنع الآخرين من بيع نفطهم عبر الخليج العربي!
التهديد بإقفال مضيق هرمز أمام ناقلات النفط والحركة البحرية التجارية، ردّ عليه الأميركيون باختصار شديد وواضح مفاده “الاستعداد” لمنع إيران من ارتكاب تلك الخطوة الكبيرة.. وطهران تعرف مثلما يعرف كل مَن على هذه البسيطة والمعمورة، أن واشنطن (هذه المرّة!) جدّية تماماً. ولا تمزح أو تناور، وإنها لن تكون وحدها في أي تحرك مضاد لأي خطوة إيرانية تعترض مسارات الطاقة والملاحة البحرية طالما أنها في الأساس لم تعتمد في نزاعها المفتوح هذا سوى الإجراءات العقابية! ولم تسلك أي سبيل قتالي من أجل تنفيذ ما تطلبه من تغيير في سلوكيات النظام في طهران.. بل إنها حتى في سوريا، تتمرّس دفاعياً وليس هجومياً برغم هدفها الواضح بإنهاء النفوذ الإيراني هناك كجزء من استراتيجية قصقصة جوانح الطاووس المنفوشة!
والواضح أن الأداء الأميركي هذا يُربك إيران ويزيد من مصاعبها ويقلّص مدار مناوراتها.. هذه الإدارة تتعامل بذكاء وعلى الناعم مع التحدّي الإيراني المنفلش من اليمن الى ضواحي الأبيض المتوسط. “تقاتل” من دون سلاح ناري! ومن دون “إنزالات” كبيرة! وتعتمد مقاربة مختلفة جذرياً عن تلك التي اعتمدها جورج بوش الابن، أي أنها تضع آلتها العسكرية في آخر الخيارات وليس في أوّلها.. وفي سياق الردّ على استهدافها وليس الشروع في الاستهداف. وهذا يفضي الى خلاصة مؤداها أن تقليص الانتشار على الأرض الى حدوده الدنيا، يقلّص احتمالات الاستنزاف المرير على الطريقة التي اتّبعت في العراق تحت ستار “مقاومة المحتل”! والتي عرف الإيرانيّون والأسديّون كيف يستثمرون فيها بنجاح تام! وكيف يحجّمون بالتالي الأهداف السياسية الأميركية الكبرى من خلال العمليات العسكرية الصغرى والمتفرّقة..
الأهداف الأميركية الراهنة تطال النظام في عَصَبه المركزي.. والوسائل المتّبعة تدلّ على الدأب والإصرار على تحقيق تلك الأهداف، أكان من خلال العقوبات القارصة والمقفلة، التي تمتد الى تكسير الطرق الخلفية التي اعتُمدت سابقاً للالتفاف على تلك العقوبات.. أو من خلال الابتعاد عن أي خيار عسكري مباشر قد يوظّفه نظام طهران لمصلحته حتى لو خَسِرَ هنا وهناك من خلال إعادة تجييش “الأمة الإيرانية” لردّ العدوان! أو من خلال نوعية الخطاب السياسي المرافق للإجراءات العقابية المتّخذة، والذي يركّز على الفصل بين الإيرانيين عموماً من جهة والطقم الحاكم من جهة أخرى، ويضع مسؤولية ما يحصل على عاتق أداء ذلك الطقم على مدى أربعة عقود!
بل أكثر من ذلك: يتعمّد الأداء الأميركي مقاربة الحساسية القومية الإيرانية بخفر استثنائي من خلال التأكيد مرة تلوَ أخرى، أن الهدف هو تغيير سلوكيات النظام وليس النظام في ذاته.. هذه ليست “وظيفة” واشنطن! ولا “يحقّ” لها أن تقرّر نيابة عن الإيرانيين مَن يحكمهم! بل يحقّ لها، مثلما يحقّ لكل المتضرّرين من مبدأ “تصدير الثورة” والبلايا التي أنتجها، أن يتّخذوا ما يرونه مناسباً لردّ الأذى عنهم! وإبقاء “صادرات” إيران في أرضها!
بهذا المعنى لا تستطيع إيران الادّعاء أنها مُستهدفة في ذاتها! وفي “ثورتها”! أو لمنعها من “التطوّر”! ولا تملك في واقع الحال “قضية” متكاملة ومنسوجة على منوال “المظلومية” المألوفة في عوالم المنطقة! أو مكتوبة وفق سردية “المؤامرة” المألوفة أكثر.. بل الحقيقة (الأولى والأخيرة!) هي غير ذلك تماماً حيث أن كيانات وشعوباً عربية وإسلامية بالجملة يمكنها أن تعرض “قضاياها” بوضوح ليزري باعتبارها ابتُليت ونُكبت بالتدخلات الإيرانية في شؤونها وقيمها واستقرارها وسيادتها وليس العكس أبداً!
.. جيّد أن تذهب إيران الى تلقّف تداعيات مواقفها مباشرة وليس بالواسطة، لا عبر لبنان! ولا اليمن ولا سوريا ولا العراق! وأن يخرج الرئيس روحاني لإشهار التهديد بنفسه بغضّ النظر عن القدرة أو عدم القدرة على التنفيذ.. فهذا بحث آخر!