السؤال الذي تختلف الأجوبة عنه هو: هل ستغير إيران سلوكها وسياستها بعد الاتفاق النووي، ولا سيما بعد الانتخابات التي فاز فيها الإصلاحيون وإن كان قد تم اختيارهم من المعتدلين وليس من المتشددين، أم أن هذه السياسة ستبقى كما هي لأن من يرسمها هو المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية للداخل وللخارج؟
لقد كرّر مسؤولون أميركيون القول إن المنطقة سوف تنعم بالأمن والاستقرار بعد الاتفاق النووي وتصبح إيران عامل تهدئة ولا تظل عامل زعزعة للاستقرار فيها، وسوف تظهر ملامح ذلك عندما تقرر إيران تسهيل التوصل إلى حل للأزمات في سوريا والعراق واليمن، ويكون ذلك سبيلاً لتحقيق التقارب والتفاهم بينها وبين السعودية ودول الجوار. لكن لا شيء يدل حتى الآن على أن إيران تريد الأمن والاستقرار في المنطقة وإلا لكانت بدأت بتسهيل إجراء انتخابات رئاسية في لبنان وذلك بالإيعاز الى نواب “حزب الله” لحضور جلسة الانتخاب والاتفاق على مرشح للرئاسة مقبول ولا يشكّل انتخابه كسراً لأحد، وتوعز أيضاً إلى الحزب بسحب مقاتليه من سوريا بعدما أصبحت الحرب فيها بقيادة روسيا، فتسهّل عندئذ المحادثات الجارية بحثاً عن حل لحرب طال أمدها.
إن دول المنطقة تنتظر من إيران تغيير سياسة الاستمرار في تصدير الثورة إليها والعودة إلى داخل حدودها للاهتمام بشؤون الشعب الإيراني وتحسين مستوى معيشته بعدما تدنّى كثيراً بفعل الحصار الاقتصادي والعقوبات التي فرضت عليها بسبب تصميمها على صنع السلاح النووي.
إلى ذلك، يمكن القول إن استمرار الحوار مع “حزب الله” هو فترة انتظار القرار الإيراني الذي يغير سياسة التدخّل في الشؤون الداخلية للدول من خلال تمويل وتسليح جماعات سياسية وحزبية ومذهبية لتخلق المتاعب للسلطة في كل دولة، وان تغيير هذه السياسة لا بد من أن تظهر بوادره في سوريا واليمن وتنعكس إيجاباً على الوضع في لبنان.
لقد تبيّن إلى الآن أن إيران لا تستعجل إجراء انتخابات رئاسية في لبنان كي تبقى أبواب الفراغ الشامل مفتوحة فيه على كل الاحتمالات، وذلك من خلال حكومة لا تعمل إلا في الحد الأدنى من طاقتها، ومجلس نواب يعمل مثلها أيضاً، في حين أن انتخاب رئيس للجمهورية يغيّر هذا الوضع المثير للقلق الدائم إذ بعد انتخابه تصبح الحكومة مستقيلة حكماً ويتم تأليف حكومة تشرف على انتخابات نيابية تجرى على أساس قانون عادل ومتوازن وينبثق منها مجلس يمثل إرادة الشعب تمثيلاً صحيحاً، وحكومة ترسم سياسة لبنان الداخلية والخارجية وتقرر تعديل ما يجب تعديله في الدستور، أو تفسير ما يجب تفسيره تحقيقاً لمزيد من العدالة والإنصاف في توزيع الصلاحيات على السلطات الثلاث. إلاّ أن الظاهر حتى الآن إن إيران لا يزال لها مصلحة في استمرار الشغور الرئاسي في ظل حكومة تمسك هي بمصيرها من خلال “حزب الله” ومن معه ومجلس نواب شبه معطّل، حتى إذا قرّرت إدخال لبنان في فراغ شامل كان لها ما تريد وفي الوقت الذي تريد، وهو ما لا تستطيع إيران فعله عندما يتم انتخاب رئيس للجمهورية يخرج لبنان من وضعه الشاذ.
الواقع أن إيران لا تريد حتى الآن انتخاب رئيس للجمهورية حتى وإن كان من خطها السياسي، بل تريد حتى إشهار آخر أن يظل لبنان محكوماً بوضع شاذ لتظل قادرة على إدخال في فراغ شامل عندما تقضي مصلحتها بذلك، وإلاّ لكانت تدخّلت لدى “حزب الله” توصلاً إلى اتفاق على انتخاب رئيس تسوية، كما تدخلت من قبل توصلاً إلى تشكيل حكومة تسوية برئاسة تمّام سلام وإن بعد مرور 11 شهراً على أزمة تشكيلها، وهي حكومة لم تكن كما أرادها سلام، أي حكومة “المصلحة الوطنية”، لأن أكثر من وزير فيها يريد مصلحته.
وإذا كان تشكيل حكومة تسوية استغرق 11 شهراً، أفلا يكفي مرور ما يقارب السنتين على الشغور الرئاسي للاتفاق على انتخاب رئيس؟
الجواب ليس، ويا للأسف، عند القادة في لبنان لأن بينهم من هو مرتبط بخارج ولا كلمة له بل لهذا الخارج… وهو حالياً إيران التي أصبحت هي الحل وهي المشكلة.