Site icon IMLebanon

صناديق إيران المزدوجة!

يمكن الإيرانيين أن يتمتعوا باعتماد صناديق الاقتراع سبيلاً للمشاركة في السلطة ضمن الحدود التي يضعها رأس هذه السلطة المطلق الصلاحية الذي هو «مرشد الجمهورية».. ولكن كيف يمكن «حزب الله» في لبنان، التابع لإيران، أن يمنع عن اللبنانيين تلك الممارسة الخلاّبة وأن يُصادر على دفعتين، نتائج انتخابات نيابية (تشريعية) تامة أوصلت خصومه الى الفوز عليه وعلى حلفائه؟ ثم أن يصادر مجمل النظام الديموقراطي اللبناني من خلال منعه انتخاب رئيس لهذا النظام؟!

والواقع، أن هذه معضلة مزدوجة. واحدة من إيران ذاتها. وأخرى من توابعها في نواحينا.

إيران تريد أن تقول إنها تأخذ في الاعتبار واقع وجود آراء وسياسات وتوجّهات متعارضة ومختلفة ومتعددة عندها، وتعمل على تنظيم الأمر ووضعه تحت سقف واحد، هو النظام القائم الذي يقوده مرشد أعلى.. لكن إيران ذاتها، تقول إن ما هو حق لها، ليس كذلك حتى لتوابعها غير الإيرانيين! وان ما يسري على داخلها، لا يمكن أن يسري على توجهاتها الخارجية. بحيث إن صناديق الاقتراع تصير عند اتباعها صناديق ذخائر لا أكثر ولا أقل. ومن دون أي إبهام! و»المشاركة» في السلطة لا تعني الشيء ذاته في كل مكان! بل ان من «واجب» أهل الحل والربط فيها، وبقوة الدستور(!) أن يعملوا على تلقيم الأغيار، من العرب والمسلمين «فضائل» نظرية «الولي الفقيه» والضرورة الربّانية للالتزام بتوجهاته وفتاواه وسياساته، باعتبار أن ذلك هو الطريق القويم والأصلح والأقرب الى الفوز بالدين، والدنيا! وأن لا ضرورة، من قريب أو بعيد، لإغفال أو استبعاد أي وسيلة ممكنة لإيصال الرسالة إلا وسيلة صناديق الاقتراع!

ولا يحتاج البيان الى كثرة شرح. حيث إن أدوات إيران وعدّة عملها في الخارج واضحة من اليمن الى سوريا الى لبنان مروراً بالعراق! وحيث إن قياساتها الخاصة بالسلطة والإمساك بها لا تلحظ في تلابيبها نكتة «المشاركة» تلك! أو الركون الى قصة الأكثرية والأقلية. بل يمكن، وفق تلك القياسات أن تعمد قوة عسكرية منظمة وتمثل (أو تصادر) فئة محددة لا تتعدى نسبتها (في اليمن مثلاً) الستة في المئة من مجموع اليمنيين، الى تنفيذ انقلاب مسلح وأن تحاول إخضاع كل الآخرين بالحديد والنار، وإلا قامت القيامة!

ويمكن وفق تلك القياسات ذاتها، أن يفوز خصم سياسي لإيران بالانتخابات العراقية. وأن يُسمى تبعاً لذلك الفوز رئيساً للحكومة، لكن من دون أن يتحقق شيء من هذا! بل يصار الى العكس: تُلغى نتائج الانتخابات عملياً، ويُعيّن تابع من أتباع «المرشد» على رأس سلطة فئوية ثأرية أوصلت العراق الى الاندثار أو كادت!

ويمكن وفق تلك القياسات الايرانية، أن ينخرط «حزب الله» في لعبة الانتخابات في لبنان، وأن يقول قادته سلفاً «فليحكم من ينتصر».. ثم بعد أذان الصبح وتبيان الواقع الذي راح باتجاه الخصوم، يتم التراجع عن تلك النظرية «السمحاء»! و«العادلة» ويصار الى تهبيط الحيطان فوق رؤوس الفائزين ووضعهم أمام خيار لا ثاني له: التخلي عن انتصارهم أو مواجهة تداعيات «التلاعب» بالميزان اللبناني الدقيق! الذي لا تتساوى كفّتاه سوى بالسلاح غير الشرعي! أي بمعنى آخر: صناديق الاقتراع تصلح لإيران، لكن صناديق الذخيرة والسلاح تصلح للبنان!

ومكمن العطب ليس في ما تريده إيران وحدها، بل في الأداء الذي يعتمده أتباعها وخصوصاً في لبنان. بحيث إن هؤلاء لا يترددون في إلحاق الأذى بحالهم وناسهم وبلدهم، وباللبنانيين كلهم وبنظامهم وطريقة عيشهم ودستورهم، طالما أن ذلك مفيد لإيران وتجارتها السياسية، وطموحاتها الأكبر من واقعها وإمكاناتها!

ومنطق الأمور يقول، في كل حال، ان انتخابات إيران لن تعني الشيء الكثير خارج إيران: وظيفتها محلية تتعلق بتقاسم بعض السلطة وليس بإعادة تشكيل تلك السلطة. وطالما أن تداعياتها شكلية وليست جوهرية، فإن ما تعرضه طهران على الخارج، ومنه لبنان، سيبقى على حاله: صناديق سلاح وليس صناديق اقتراع!