IMLebanon

صفقة تحلم بها ايران

 

 

في هذا الزمن العجيب الغريب، نرى، من اليمن الى العراق مرورا بسوريا ولبنان، أنّ ايران تفاوض بالجملة والمفرّق في وقت عينها على واشنطن وصفقة معها. تبقى عينها على صفقة مع «الشيطان الاكبر» على الرغم من توقيعها اتفاقا استراتيجيا مع الصين مدّته 25 عاما يربطها بقوّة استعمارية تعرف تماما ماذا تريد وتعرف خصوصا كيف استغلال كلّ ثغرة من اجل خدمة مصالح خاصة بها أوّلا واخيرا.

 

تبدأ الصفقة التي تحلم بها «الجمهورية الإسلامية» مع «الشيطان الاكبر» برفع العقوبات التي فرضتها إدارة دونالد ترامب وتنتهي بها. كلّ ما تريده «الجمهورية» هو رفع العقوبات والعودة الى عالم العام 2015. وقتذاك اطلقت إدارة باراك أوباما يد ايران في المنطقة ووفّرت لها، بعد توقيع الاتفاق في شأن ملفّها النووي، كلّ الأموال اللازمة التي تسمح لها بتمويل مشروعها التوسّعي الذي في اساسه امران. الميليشيات المذهبية المحلّية المزروعة في كلّ بلد من بلدان المنطقة، على نسق «حزب الله» في لبنان و»انصار الله» في اليمن و»ربع الله» في العراق وأسماء مختلفة لا يحصى عددها في سوريا… والاستثمار في اثارة الغرائز المذهبيّة.

 

بدأت تتبلور خطوط عريضة لاتفاق يستهدف وقف النار في اليمن وذلك في ضوء المفاوضات التي استضافتها مسقط وشارك فيها المبعوثان الأميركي والدولي تيموثي كيندرلينغ ومارتن غريفيث مع ممثلين للمملكة العربيّة السعودية والحوثيين برعاية عُمانية. انتقل بعد ذلك كيندرلينغ وغريفيث الى الرياض من اجل حفظ ماء الوجه للرئيس اليمني الانتقالي عبدربّه منصور هادي والايحاء بأنّ هناك «شرعيّة» يمنية. في الواقع، صار الاتفاق موجودا بخطوطه العريضة وهو مبني على المبادرة السعودية الهادفة الى وقف القتال في اليمن وفتح صفحة جديدة في العلاقات السعودية – اليمنيّة.

 

هل توافق ايران على الخطوط العريضة للاتفاق ام لا؟ مفتاح التسوية في اليمن لا يمكن، من وجهة نظر طهران، تشغيله الّا بموافقة ايرانيّة. بات في استطاعة ايران استخدام اليمن لقصف المملكة العربيّة السعوديّة. هل يمكن لإيران السماح باتفاق بين المملكة العربيّة السعودية والحوثيين؟ واضح انّه توجد حسابات إيرانية لا هدف لها سوى التوصّل الى الصفقة مع «الشيطان الاكبر» بغض النظر عمّا يحلّ بالحوثيين (انصار الله) او باليمن نفسه.

 

الحسابات الإيرانية نفسها، نجدها في لبنان. تمنع ايران تشكيل حكومة لبنانية. تريد صفقة مع اميركا وليس مع احد غيرها. ما ينطبق على اليمن ولبنان ينطبق على سوريا حيث تسعى ايران الى افهام الإدارة الأميركية انّ في استطاعتها فرض انتخابات رئاسية تبقي بشّار الأسد رئيسا في حال لم تحصل على ما تريده… من اميركا.

 

يبقى العراق حيث تعمل ايران عبر ميليشياتها على تأكيد ان هذا البلد المهمّ بالنسبة الى مستقبل النظام الايراني لا يمكن ان يفلت منها يوما وانّ لا امل لحكومة مصطفى الكاظمي في اعادته الى بلد طبيعي، غير معاد لـ»الجمهوريّة الاسلاميّة»، لكنّه على علاقات طيّبة مع محيطه العربي ومتصالح معه، خصوصا مع دول الخليج العربي والأردن ومصر.

 

لا يمكن لإيران النجاح في الوصول الى صفقة مع «الشيطان الأكبر» حتّى لو عملت على ابتزاز اميركا عن طريق الصين. لا يمكن الاستخفاف، بايّ شكل، باهمّية الاتفاق الاستراتيجي الصيني – الإيراني الذي في أساسه تعطّش الصين الى النفط والغاز الإيرانيين. لكنّ مثل هذا الاتفاق لا يكشف سوى افلاس لنظام ليس لديه ما يقدّمه الى محيطه والعالم سوى الميليشيات المذهبيّة من جهة والاستثمار في اثارة الغرائز المذهبيّة من جهة أخرى.

 

اكثر من ذلك، انّه نظام مكشوف لا يعرف انّ ليس في استطاعته ان يكون قوّة إقليمية كما يحلم بذلك. هناك حلمان مستحيلان إيرانيا أولهما الصفقة مع «الشيطان الأكبر» والآخر الاعتراف به كقوّة مهيمنة. ليس في استطاعته الهيمنة على الرغم من الضعف العربي عموما وغياب أي قوّة قادرة على الدخول في صدام مع «الجمهورية الاسلاميّة» على غرار ما فعل صدّام حسين في العام 1980  بطريقة صبّت في خدمة المشروع الذي كان يقف خلفه آية الله الخميني مؤسّس «الجمهورية الاسلاميّة».

 

ستستخدم ايران كلّ اوراقها، بالجملة والمفرّقّ، من اجل الوصول الى صفقة مع الإدارة الأميركية الجديدة. يفوتها تغيّر العالم بين 2015 و 2021. ليس كافيا ان تكون الإدارة الجديدة برئاسة جو بايدن تريد الانقلاب على كلّ تركة إدارة دونالد ترامب وتصفية حساباتها مع هذه التركة ومع دونالد ترامب نفسه. هناك ما هو اهمّ من ذلك بكثير. هناك عمليا موقف موحّد لدول المنطقة من ايران ومن مشروعها التوسّعي. هناك موضوعان لم يعد في الإمكان تجاهلهما، لا عربيّا ولا أوروبيا ولا في الكونغرس الأميركي، حتّى لو ارادت الإدارة الأميركية الجديدة ذلك. الموضوعان هما الصواريخ الباليستية والمجنّحة والطائرات والمسيرّة… والسلوك الإيراني في المنطقة.

 

مبروك على ايران الاتفاق الاستراتيجي مع الصين، وهو اتفاق وقّعه نظام هارب من ازماته الداخلية من جهة ومن عجزه عن التوصل الى صفقة مع «الشيطان الأكبر» بشروطه من جهة أخرى. كلّ ما في الامر ان الهروب الى امام لا يمكن ان يكون سياسة قابلة للحياة لا في ايران ولا في غير ايران. هذا ما اثبتته كلّ التجارب في الدول التي حاولت لعب دور اكبر من حجمها واكبر من إمكاناتها الاقتصاديّة. قد يكون الاتحاد السوفياتي، الطيّب الذكر، افضل مثل على ذلك!