يذهب الشيخ حسن روحاني الى أوروبا ويتحفها بمواقف تناسب المقام والزمان. فهو آت ليشتري وهم حاضرون للبيع. وفي هذه السوق، لا مكان للاستطرادات الإيرانية المألوفة منذ ثلاثة عقود، بل لا تسري فيها إلا اللغة التي تطمئن رأس المال الجبان بطبعه!
بل إن الرئيس روحاني أوغل في «اللغة المضادة» للمألوف في بلاده وصولاً الى تأكيده أنها «الأكثر أماناً» في المنطقة، ومفتوحة أمام من يشاء (في الغرب طبعاً!).. بل إن واشنطن نفسها مرحّب بها «لإقامة أفضل العلاقات»، سوى أن الأمر في يدها وليس في يد طهران، على ما قال في روما حرفياً بالأمس.
لكن اللافت، أنه في موازاة الحراك الروحاني هذا، ظلّ أصحاب الحل والربط في طهران يرسلون إشارات معاكسة. من استقبال «المرشد» البحّارة الإيرانيين «الذين أذلّوا» جنود البحرية الأميركية منذ أيام ومباركة «إنجازهم» وإرجاعه الى ألطاف رب العالمين مباشرة! إلى الإعلان عن إجراء مناورات عسكرية ضخمة للبحرية لـ»مواجهة التهديدات الأجنبية».. مروراً بالغربال الانتخابي الذي أسقط من بين فتحاته الضيقة أكثر من تسعين في المئة من المرشحين «الاصلاحيين» بمن فيهم حفيد الإمام الخميني نفسه.
أي كأن أصحاب السلطة الفعلية في طهران، يبحثون عن مشكلة خارجية كبيرة، لتوظيفها في حملتهم الانتخابية الداخلية!.. مشكلة عَرَضية لا تهدّد السياق العام المتبع القائل بعدم التورط في حرب مباشرة مع الأقوياء! لكنها تكون كافية لإعادة شحذ الهمم «الثورية» وشد العصب الذي تراخى بحكم المناخ الذي أوجده «الاتفاق النووي» وملحقاته التعبوية الانفتاحية، وبحكم طغيان الحالة العمرية الشبابية بين الإيرانيين. كما بحكم «المعاناة» التي تراكمت على مدى سنوات العقوبات وانعكست في كل نواحي الحياة، ومن دون مردود موازٍ يتناسب معها ومع الشعارات التي رُفعت وضَربت في مجملها على الوتر القومي وادعاءات «الدول الكبرى»!
واللافت في ذلك، هو أن الأميركيين مثلاً أظهروا ما يكفي من إشارات وعي(؟) لذلك التكتيك الايراني «المحافظ». بحيث انهم تغاضوا عن حادثة اعتقال جنود «المارينز» ولم يرسلوا إلا برقية «عتب» على لسان وزير الخارجية جون كيري تقول بانزعاجه «الشديد» من نشر طهران صورة الجنود الراكعين، وليس أكثر من ذلك! ثم تغاضوا يوم أمس تحديداً، عن نشر وكالة «تسنيم» المقربة من «الحرس الثوري» خبراً يقول إن البحرية الإيرانية «وجّهت تحذيراً» الى سفينة حربية أميركية وطلبت منها مغادرة منطقة المناورات التي تجري (في خليج عُمان).. «فغادرت على الفور»!
لكن اللافت المخيف هو أن إسرائيل تبدو في مكان آخر. وهي التي عادت فجأة، في الأيام القليلة الماضية الى التركيز على الوضع في جنوب لبنان وعلى نشر سيناريوات حربية شاملة وكبيرة تتضمن تركيبة لغوية تفيد «بأن حادثاً بسيطاً قد يفجر الوضع برمّته»!
وذلك أمر قد يكون روتينياً وقد لا يكون. لكنه لا يطمس الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه إيران، «وضرورة» بقائها في عهدة الداعين الى تحطيم إسرائيل ومحوها من الوجود، فلا يفعلون إلا تحطيم الكيانات العربية والاستقرار العربي في كل نواحيه! وبالتالي، لا يمكن على الإطلاق استبعاد «مشاركتها» في الحملة الانتخابية الإيرانية على طريقتها.. ومن جنوب لبنان.
الأهم من ذلك في المقابل، هو أن لا يفترض «حزب الله» ضرورة «مشاركته« بدوره في تلك الحملة الانتخابية الإيرانية!!