تابعت حديثي عن إيران ومشروعها القومي والمذهبي مع المسؤول المهم السابق نفسه في “الإدارة” المهمّة نفسها داخل الإدارة الأميركية، الذي عمل كثيراً على عمليّة السلام الشرق الأوسطية، قلتُ: المشروع الإيراني هذا يفشل الآن والبعض يقول إنه فشل منذ سنوات قليلة. فالعراق وهو المدى الحيوي لها خسرت منطقته السنيّة لـ”داعش” ولن تعود إليها بعد طرده منها. وبغداد والجنوب تهددا في تلك المرحلة لولا تدخّلها وكذلك لولا التدخّل الفعلي لأميركا. وسوريا الأسد حليفتها خسرت غالبية جغرافيتها وإن “غير المفيدة”. وغزة الفلسطينية (أي العلم الذي أشرت إليه) خرجت من التحالف معها. ولبنان مُنقسم نصفين واحد مسلّح معها وآخر غير مسلّح ضدها. علّق: “لكن بقي لإيران في العراق نفوذ”. أجبتُ: نعم: لكن ليس فيه كله. لا تنسَ أن كردستان العراق صار شبه دولة مستقلّة وعلاقته الجيدة معها لا تعني التبعية. وهي كانت خسرت بغداد لولا عمليات التنظيف التي قامت وتقوم به لها ولغلافها الميليشيّات الشيعيّة التابعة لها في أثناء تحرير بعض المناطق من احتلال “داعش”. أما سوريا الأسد فقد نجحت في منع سقوطها وحدها بواسطة خبرائها العسكريّين والأمنيّين وجيش “حزب الله” اللبناني وميليشيات شيعيّة إسلاميّة عربيّة وغير عربيّة. لكن بعد نيف وأربع سنوات أدركت أنها لن تستطيع تلافي سقوطها فاستعانت بروسيا. وهي أرسلت مؤخّراً وبعد الانسحاب الروسي الجزئي وحدات عسكريّة نظراً إلى الحاجة إليها. وهي ستستطيع المحافظة على الأسد ومناطقه. لكن ذلك بداية تورّط عسكري مباشر لها قد تكون له آثار صعبة إذا لم تنجح مفاوضات جنيف 3 والمفاوضات المتعدّدة التي ستعقبها في التوصّل إلى تسوية سياسية للأزمة – الحرب الأهلية في سوريا.
قال: “لكن لا يزال لإيران موطئ قدم في سوريا”. رددت: لم أقل العكس. هو ضاعف السيطرة على كامل سوريا ولبنان والعراق و”غزة”. صار لها مواطئ قدم في كل منها. وهذا تراجع. علّق: “لكن بقي لها نفوذ”. قلتُ: “لا شك في ذلك. وسيبقى لها نفوذ. فهي دولة جدّية. ولها تراث وتاريخ وفيها ثقافة وموارد. ولشعبها حس وطني كبير. استطاعت أن تؤسّس دولة فيها حد أدنى أو أدنى من الأدنى من الديموقراطية. وقد نشأ فيها على رغم إسلاميّة نظامها وقيوده على غير المؤمنين به من أبنائها نظام الحزبين. وما يُقال عنها في أميركا وخارجها مثل انقسامها إلى معتدلين ومتشدّدين داخل السلطة، ومثل توقّع دخول هؤلاء مواجهة ستنعكس سلباً على المرشد خامنئي والنظام، ومثل كون الرئيس روحاني ورفسنجاني وآخرين قادة “لانقلاب” على التطرّف والتشدّد الداخلي، ذلك كلُّه فيه القليل من الصحة، والكثير من الخيال والتمنيات، فالاعتدال المعادي لخامنئي موجود، والتطرّف الرافض في صورة نهائية الاعتدال حتى داخل النظام موجود. لكن الغالبية من المعتدلين والمتشدّدين تعمل بانسجام مع الولي الفقيه وهو “يوزّع” الأدوار فيما بينها. روحاني ما كان ليفاوض الـ 5+1 ويتوصّل إلى اتفاق نووي ويوقّعه لولا مباركة خامنئي ومشاركته المباشرة. وخامنئي بارع جداً في إدارة الأوضاع وتوزيع الأدوار ويتصرّف، وإن كان لا يحب أميركا، إنطلاقاً من اقتناع عنده بأن إيران تحتاج إليها لأن الذي عندها ليس عند دول أخرى مثل الصين والهند وغيرهما. وبأن شعبها أو بالأحرى شبابها يحبّون أميركا. وهو عندما بدأ يتحدّث عن الغزو الثقافي الغربي وتحديداً الأميركي لإيران بعد توقيع الاتفاق النووي كان يريد الإيحاء لشعبه أن هذا الاتفاق حقيقة، وأن المحافظة على النظام تقتضي تلافي الغزو الثقافي الذي يُرافق عادة كل انفتاح على الكبار في العالم. وعنى ذلك أن الانفتاح الذي لا بد منه آتٍ في وقته وأنه هو الذي سيقوده. طبعاً قد لا تصبح إيران دولة مثل أميركا وهي لا تريد ذلك في مجالات معيّنة لأن لها قيمها الخاصة. لكنها ستأخذ ما يناسبها من الأميركيّين وما يعزّز دورها الإقليمي ويحمي نظامها. سأل:”هل تعتقد أن إيران ارتكبت أخطاء في اليمن وسوريا؟”. أجبت: أعتقد استناداً إلى قريبين منها أنها ارتكبت أخطاء في اليمن. ربما ما كان يجب أن تنغمس في أوضاعه إلى درجة التحوّل طرفاً أساسياً وإن غير مباشر في حربه الأهلية وغير الأهلية وفي حرب بالواسطة مع السعودية. لكن سهولة سيطرة حلفائها الحوثيين بالتعاون مع الرئيس علي عبد الله صالح حليف السعودية على مدى عقود على اليمن جعلها تميل إلى الاقتناع بأنها ستربح فيه.
ماذا قلتُ عن سوريا؟