حين بررت روسيا التعزيزات العسكرية التي بدأت بارسالها الى سوريا بانها لمساعدة الجيش السوري بذريعة ” ان القوة الوحيدة القادرة على التصدي لتقدم داعش هي القوات المسلحة السورية “، لم تثر فرضية ان من سيتولى التقدم على الارض فيما يقصف الطيران الروسي من الجو هي عناصر ايرانية واخرى من “حزب الله” على ما بدا انه يحصل في حلب وحماه في محاولة لاستعادة هذه المدن تحت سيطرة بشار الاسد فيما لا يبدو من اثر للجيش السوري في المعارك التي تستهدف هذه المدن بالذات. صورة قائد الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني في ريف اللاذقية تعقد الوضع حتى امام روسيا ولا تسهله سواء كان يحصل بالتنسيق بين الجانبين الروسي والايراني او من دون هذا التنسيق. صورة سليماني في تكريت حجمت قدرة العراق ومعه قصف قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة على مواصلة محاولة استعادة المدن العراقية التي احتلها تنظيم الدولة الاسلامية. وذريعة دعم قوات الاسد باعتبارها القوة الوحيدة على الارض القادرة على محاربة داعش لا تجد اسانيد قوية لها في المنطق الروسي مع ارسال ايران قوات اضافية الى سوريا. ايران والميليشيات التابعة لها هي قوة الاسد على الارض. وهذا يسقط هذه الذريعة الروسية مباشرة بعد اقل من اسابيع قليلة على سقوط الذريعة التي قالت بها روسيا للحرب التي تشنها في سوريا اي نيتها استهداف داعش فيما اجمعت التقارير الغربية على استهداف روسيا مواقع المعارضة المعتدلة. فحين يفترض المنطق انه من غير المحتمل ان تعمد روسيا الى استفزاز الدول الخليجية بالتواطوء مع ايران في سوريا الى هذه الدرجة بهدف دعم النظام، فانما يبنى ذلك من جهة على المنطق القائل بصعوبة تصور روسيا طرفا في حرب مذهبية بحكم ان الصراع مع ايران او الاصطفاف معها في موقع واحد يجعل من روسيا طرفا في هذه الحرب وذلك بسبب وجود نسبة كبيرة من المسلمين السنة في روسيا وجوارها كما من الصعوبة بمكان تخيل استعدائها الدول العربية للاسباب نفسها. ومن غير المرجح الا تكون القوات الايرانية التي دفعت الى الميدان احرجت موسكو التي تحاول ان تستدرج واشنطن من اجل التنسيق معها تخفيفا لحدة مواجهة اقليمية عربية مرتقبة معها خصوصا على وقع تنافس او ربما تعاون ايراني قد يكون بات محرجا، فيما تمد اليد الى اسرائيل من اجل مزيد من التنسيق كما قال المسؤولون الروس من اجل تفادي الصدام فوق سوريا فيما تساهم روسيا بذلك في تأمين مصلحة اسرائيل التي تضمن في بقاء الاسد تطويب الاراضي السورية المحتلة لها الى اجل غير مسمى باعتبار ان الاسد في حال بقائه عبر اي تسوية لن يتمتع يوما بالشرعية لا من اجل الذهاب الى معاهدة سلام ولا كذلك بالقدرة على محاولة استعادة الارض بالقوة علما انه لم يتمتع يوما بهذه القدرة او لم يستخدمها قط.
المشهد في سوريا يذهب في اتجاه ابعاد متعددة وفق مصادر ديبلوماسية مراقبة:
احدها انه حين كان يخشى قبيل توقيع الاتفاق النووي مع ايران من اتفاق جانبي مع الولايات المتحدة يقر بنفوذ ايران في المنطقة او يمهد لذلك وقطعت واشنطن وعودا في شأن ذلك لدول الخليج العربي، واتت روسيا لتظهر عقم الوعود الاميركية وفراغها من مضمونها من خلال الدفع مع ايران بالتواطؤ او الاتفاق الثنائي على قلب المعادلة التي تصب في خانة ما يعزز النفوذ الايراني ويوسعه لا بل يثبته اقليميا جنبا الى جنب مع عودة الروس الى المنطقة كلاعب اساسي من دون اعطاء واشنطن مؤشرات فعلية عن رغبتها على التصدي لهذا الواقع بحيث يخشى الا يبقى امام واشنطن لاحقا في ظل استمرار سياسة الادارة الحالية على حالها الا محاولة اقناع حلفائها في المنطقة بالقبول بالامر الواقع او التفاوض على اساس الامر الواقع الجديد. يسأل البعض هل هذه التطورات ترفع عن كاهل واشنطن مسؤولية افساح المجال امام الهيمنة الايرانية بعد الاتفاق النووي خصوصا ان الادارة الاميركية اظهرت مرونة كبيرة ازاء تدخل ايران في سوريا ودفاع هذه الاخيرة عن بشار الاسد. وفي حين ان الكرة هي في مرمى الولايات المتحدة بالذات فان واشنطن باتت تثير احباطا اكبر لشعوب المنطقة في مقاربتها للحرب السورية وفي عدم دعم حلفائها في منع سقوط سوريا كليا تحت نفوذ روسيا وايران.
ثانيها انه اذا تركت المسألة لتصارع الدول الاقليمية مع حلفاء النظام السوري على الاراضي السورية، فان ابواب الجحيم قد تكون فتحت في سوريا تحت وطأة توقعات بحروب دامية تصعيدية لن يسمح في ضوئها لايران بان يستتب الوضع لها في سوريا كما فعلت في العراق.
ثالثها غياب الافق لاي حل سياسي في ظل المعطيات الراهنة وطغيان صورة الحل العسكري الذي بات معتمدا راهنا في سوريا. وتكرار واشنطن ان لا حل عسكريا للحرب السورية بل حل سياسي قد يكون صحيحا في نهاية الامر، لكن الوقائع الميدانية تفرض موازين القوى على طاولة المفاوضات. وتتضارب الاراء بقوة في هذا الشأن بين من يعتقد ان حرب استنزاف طويلة بدأت ومن يعتقد ان الخطوط ترسم لتقاسم نفوذ لا بد منه في المنطقة.