IMLebanon

إيران من «الولاية المطلقة» إلى «التكوينية»؟

يتسارع تخفيض سقف الخطاب المتبادل في الجمهورية الإسلامية في إيران، إضافة إلى إلغاء تدريجي للضوابط التي كانت تُخفي حدّة المنافسات والمزاحمات السياسية في ثنايا «إيران العميقة»، إلى درجة أن سطح الحياة السياسية كان يبدو هادئاً إلى درجة السكون. حالياً فإن معظم ما يحدث داخل الدواوين المغلقة يمكن قراءة ترجمته في التصاريح والخطابات المتبادلة يومياً.

في قلب هذا الانكشاف الجديد في عمر الجمهورية، خصوصاً في عهد «الولي الفقيه» آية الله علي خامنئي الذي يكاد يختم عقده الثالث، التنافس الذي يكاد يصل إلى درجة الصراع على خلافة خامنئي. هذا الصراع المتمحور بين «جبهة» تضم المعتدلين «الروحانيين» والإصلاحيين من جهة، والمتشدّدين المحافظين من جهة أخرى، الذي يتعمّق الافتراق الفكري بينهم، بين ملتزمين بفكر وتوجّهات آية الله مصباح يزدي الذي يرفض ضمناً «الجمهورية» و«الولاية» ويريد «الإمارة» على طريقة

طالبان أفغانستان، ويتداخل معهم أو منهم وفيهم «المهدويون» نسبة إلى الإمام المهدي بقيادة أحمدي نجاد، والمحافظين الذين يأخذون «بالولاية»، لكن حضورهم ونفوذهم يتضاءل لأنهم يتلقون «الضربات» من «جبهة الأمل» على يسارهم، و«اليزديين» و«المهدويين» على يمينهم. ووسط كل ذلك يقف «الحرس الثوري»، متشدّداً في محافظته على نفوذه السياسي والاقتصادي فيبدو في جبهة المحافظين المتشدّدين على قاعدة أن الرئيس حسن روحاني يريد «قصقصة» نفوذهم ووضعهم تحت «عباءة» الدولة، علماً أنهم في النهاية يخضعون للقيادة القائمة.

الخطاب المتشدّد للمتشدّدين يتبلور يوماً بعد يوم في توجُّهين فكري – ايديولوجي وعسكري.

* آية الله مبشر كاشاني، اختصر توجّه رفع درجة «الولاية» إلى «الولاية التكوينية» فقال: «إن ولاية الولي الفقيه هي ولاية تكوينية، بحيث يتمكن الولي الفقيه بموجبها من التحكّم بمجريات الكون، وهو يتحكّم في إنزال المطر.. والغيوم تمتثل لأوامره. وهذه الولاية التكوينية انتقلت من الإمام المهدي إلى الولي الفقيه».

بدوره، فإن علي سعيدي ممثل خامنئي في «الحرس الثوري»، قال: «إن دور الولي الفقيه بمستوى دور النبي محمد (صلعم) ولديه تواصل مع السماء». بهذا فإنه يتم «نحر» أي توجُّه لاختيار المرشد القادم من «مجلس الخبراء» والشعب، لفرض مَن يريدونه خليفة لخامنئي من «طينة» مصباح يزدي وإذا لم يكن ممكناً ذلك فالتنازل يكون لمصلحة ابراهيم رئيسي «سادن الروضة الرضوية» في مشهد والمرشح الفاشل لرئاسة الجمهورية.

* العسكري: يتبلور في ضرب أي توجُّه للحدّ من «استعلائه» على الدولة إلى درجة أن العميد حسين سلامي الناطق باسم «الحرس» يقول: «إن استهداف «الحرس» قضية تافهة.. وهو أي «الحرس»يتعرّض لهجمة من الاستكبار العالمي وامتداداتها في الداخل». في السياق ذاته وفي خطوة الواضح منها تطويق أي محاولة «روحانية» للحدّ من المزيد من غرق «الحرس» في الخارج أي سوريا والعراق واليمن، فإن السفير بعيدي نجاد في لندن تولى الردّ بطريقة غير مباشرة فوصف الجنرال قاسم سليماني بـ«القائد العظيم»، وأضاف رافعاً منسوب التضخيم فوصف «سليماني بأنه بلا شك من أبرع الاستراتيجيين العسكريين في العالم المعاصر»، وذلك لدوره العسكري في العراق وسوريا.

نتيجة لهذا الصراع، يتأخّر يوماً بعد يوم تشكيل الحكومة «الروحانية»، وفي خطوة نادرة فإن المرشد خامنئي لم يستقبل روحاني منذ أسابيع. ويبدو واضحاً أنه تقع ضغوط كبيرة على الرئيس روحاني، لتشكيل حكومة لا تترجم الإرادة الشعبية التي تبلورت في انتخابه. وقد وصل الأمر إلى درجة الضغط عليه لإبعاد جواد ظريف من وزارة الخارجية ومنعه من استبدال وزراء الدفاع (العميد دهقان) والداخلية والأمن. ويتخوّف المعتدلون والإصلاحيون معاً من أن تنجح هذه الضغوط «فلا يتمكن من تشكيل حكومة تناسب الوعود المُقدمة للشعب في مجالات السياسة والاجتماع والاقتصاد» فتتكرر صيغة الرئيس محمد خاتمي في ولايته الثانية. رغم أن الظروف تغيّرت وموازين القوى ليست نفسها، والأخطار المحيطة بإيران لم تعد محصورة بالمواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية وإنما تمدّدت إلى الداخل من «أحزمة النار» الكردية والبلوشية وحتى العربية في خوزستان.

في هذه الأثناء، يعمل الرئيس روحاني على مواجهة الأزمات الداخلية، التي لم تعد محصورة ولا مقتصرة على الأزمة الاقتصادية التي ما زالت المقاطعة الأميركية تلعب دوراً أساسياً فيها، خصوصاً ضدّ البنوك حيث تحول هذه المقاطعة دون انطلاق العجلة الاقتصادية.

من الأزمات القديمة – المستجدّة أزمة المياه وجفاف الأنهار التي دخلت «المجال الأمني». وإذا كان الحديث عنها يتطلب توسعاً لاحقاً فإن الإيرانيين الذين يعانون من جفاف نهر كارون في خوزستان ونهر زاينده رود في أصفهان والزاب الكبير في المنطقة الكردية، يتساءلون بعد انكشاف الأزمة في المؤتمر الذي عُقد وحضرته 42 دولة وألقى الرئيس روحاني فيه خطاباً مفصلاً: «إذا كان الولي الفقيه.. يتحكّم في إنزال المطر، والغيوم تمتثل لأوامره فلماذا لا يُسارع الولي الفقيه خامنئي ويُنزل الأمطار فتمتلئ الأنهار والبحيرات بالمياه ويسحب بذلك الخطرَين الكبيرَين: العطش في الداخل وخطر المواجهة مع الخارج بدلاً من إغراق الإيرانيين بالسؤال اليومي عن صحّته وخلافته؟!».