في الذكرى الأولى لإقرار الاتفاق النووي الإيراني٬ يساور القلق بعض أكثر مؤيدي الاتفاق حماًسا. من جانبه٬ بذل الرئيس أوباما أقصى جهد ممكن سعًيا للتقارب مع إيران وإنهاء دورة العداء القائمة بين البلدين٬ لكن من يدري ماذا سيفعل الرئيس القادم؟
كان 57 من كبار خبراء السياسة الخارجية الأميركية قد حثوا البيت الأبيض على إقامة قنوات اتصال دبلوماسية أكثر استدامة مع إيران. وفي خطاب تحت رعاية «مشروع إيران»٬ دعا هؤلاء الخبراء أوباما لإقامة قنوات اتصال رسمية بين وزارة الخزانة الأميركية والبنك المركزي الإيراني٬ علاوة على بناء خط اتصال بين نواب وزارة الخارجية الأميركية ووزارة الخارجية الإيرانية.
وورد في الخطاب أنه «نعترف بأن الفرص ستكون محدودة فيما يخص اختبار مدى استعداد إيران للعمل بصورة مباشرة مع الولايات المتحدة بسبب الشكوك السياسية داخل البلدين٬ خلال العام المقبل٬ لكن التعاون ينبغي أن يشكل الهدف طويل الأمد للحكومة الأميركية».
مثلما سبق أن أشرت إليه في مقال سابق٬ فقد ألقى كبير مستشاري الأمن الوطني المعاونين لهيلاري كلينتون٬ جيك سوليفان٬ خطاًبا الشهر الماضي ذكر فيه أنه يتعين على واشنطن العمل للتصدي لزيادة النشاطات الإيرانية المزعزعة لاستقرار الشرق الأوسط. وفيما يخص دونالد ترامب٬ نشر أحد كبار مستشاريه٬ الجنرال المتقاعد مايكل فلين٬ لتوه كتاًبا ذكر فيه أن إيران في تحالف مع إرهابيين ضد الولايات المتحدة.
من ناحية أخرى وفيما يتعلق بإيران ذاتها٬ نجد أنه منذ الموافقة على ماُعرف باسم «خطة العمل المشتركة الشاملة»٬ تلاعبت إيران بنتائج انتخابات أجرتها٬ وألقت القبض على مواطن أميركي٬ واحتجزت لفترة وجيزة بحارة أميركيين٬ وأجرت عدة اختبارات لصواريخ باليستية٬ واستضافت مسابقة للكرتون حول المحارق النازية٬ وعززت جهودها الرامية للحصول على نحو غير قانوني على تقنية نووية. وقد كشف النقاب عن هذا الإجراء الأخير من خلال تقرير أصدرته المؤسسة الألمانية المكافئة لمكتب التحقيقات الفيدرالي الشهر الحالي.
وبالنسبة لإدارة أوباما وأنصارها٬ يكمن السبيل الأمثل في التصدي لسلوك إيران المارق في بذل مزيد من الجهود في محاولة التواصل معها. في الواقع٬ تعد تلك نظرية جديدة تماًما ابتكرها أنصار التعاون مع طهران٬ وتقوم على فكرة أنه إذا تعاملنا مع الدول المارقة مثلما نعامل الدول الطبيعية٬ فإنها ستتصرف على نحو أفضل.
بيد أن التطورات الأخيرة تدحض هذه الفرضية المشوقة. انظروا على سبيل المثال إلى الجهود الإيرانية الموثقة من جانب الاستخبارات الألمانية لشراء مواد نووية. وعندما سألت ستيفن مول٬ السفير الأميركي المسؤول عن جهود التنسيق لتنفيذ الاتفاق مع إيران عن هذا التقرير خلال ندوة عقدها مؤخًرا «المركز الثنائي للسياسات»٬ أجاب أن التقرير «يتناول حصرًيا جهوًدا جرت عام ٬2015 بمعنى أنها كانت قبل دخول الاتفاق حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني)».
وعليكم التفكير فيما يعنيه ذلك؛ ففي الوقت الذي كانت طهران تعكف فيه على صياغة تفاصيل الاتفاق في فيينا٬ العام الماضي٬ وهو اتفاق حدد بروتوكولاً بعينه لتنظيم الجهود الإيرانية لشراء تقنيات نووية٬ كان جواسيسها يبذلون أقصى جهدهم للحصول على أكبر قدر ممكن من هذه التقنيات من السوق السوداء. ويعني هذا ببساطة أنه في اللحظة التي شهدت تعاوًنا دبلوماسًيا غير مسبوق من جانب الولايات المتحدة٬ كانت إيران لا تزال تتصرف كدولة مارقة. وينبغي أن يثير هذا الأمر قلق إدارة أوباما. في الوقت الذي يعد البيت الأبيض صائًبا بخصوص إعلانه أن إيران فككت ثلثي أجهزة الطرد المركزي لديها وقلصت مخزوناتها من اليورانيوم منخفض التخصيب٬ تبقى هذه التنازلات مؤقتة.
وإذا لم يجر التفاوض بخصوص اتفاق جديد مع إيران خلال الفترة الانتقالية٬ فإنها ستتمكن من الوقوف على أعتاب امتلاك القوة النووية بحلول عام 2030 .وإذا كان الإيرانيون على استعداد لانتهاك روح الاتفاق النووي في وقت كان يجري فيه التفاوض بشأن اللمسات الأخيرة عليه٬ فماذا سيفعلون عندما لا تصبح هناك أية قيود على عدد أجهزة الطرد المركزي التي تملكها بلادهم؟
لذا٬ ينبغي أن يبدل «مشروع إيران» محور تركيزه٬ بعد أن تم إقرار الاتفاق الآن. وتتوافر حالًيا فترة انتقالية تستمر 14 عاًما يمكن لأصحاب النيات الطيبة استغلالها في دعم الحراك الديمقراطي داخل إيران الذي أوشك على إسقاط النظام في أعقاب الانتخابات الرئاسية التي سرقها عام 2009 .والمؤكد أن تلك ستكون مهمة عسيرة. ومثلما قال راي تقية من «مجلس العلاقات الخارجية» خلال ندوة نظمها «المركز الثنائي للسياسات» الأسبوع الحالي٬ فإنه٬ في ظل الرئيس الإيراني حسن روحاني٬ تردت أوضاع حقوق الإنسان داخل البلاد عما كانت عليه في ظل سلفه٬ سارق الانتخابات الرئاسية عام ٬2009 محمود أحمدي نجاد.
وبدلاً من حّث أوباما على التعاون على نحو أكبر مع إيران في مواجهة تنظيم داعش٬ ينبغي أن يضغط «مشروع إيران» على الشركات كي تبقى بعيًدا عن هذه البلاد حتى إطلاق سراح قيادات «الحركة الخضراء» التي ظهرت عام 2009 من السجون والإقامة الجبرية.
وبدلاً من الدعوة لمزيد من التعاون الدبلوماسي٬ ينبغي أن يبدأ «مشروع إيران» في مقاطعة إيران والدعوة لعدم توجيه استثمارات إلى إيران حتى يسمح نظامها بعقد انتخابات حقيقية.
وبدلاً من اختلاق أعذار لقيادات إيران٬ ينبغي أن يبدي «مشروع إيران» تضامنه مع ضحاياهم٬ خصوًصا أن المخاطر تبدو أكبر عن أي وقت مضى والوقت ينفد أمامنا.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ