الهمس الذي كان يتداول منذ أشهر طويلة عن حرب مرتقبة في المنطقة تقودها أميركا ضد إيران باتت مؤشرات تصعيدها وتصاعدها ملموسة للقاصي والدان، وتحوّل الهمس إلى واقع جلي ما بين تصريح وتلميح من البيت الأبيض والبنتاغون، مصحوباً بتحركات عسكرية تسبق في العادة انطلاق الحروب في المنطقة، ليصل ضجيج الحرب إلى مانشتات صحف خليجية عنونت وبشرت بقرع طبول الحرب، فيما انتشر خطاب موقّع من أعضاء مجلس الأمة الكويتي يطالب الحكومة بالإعلان عن ترتيباتها واستعداداتها لمواجهة الحرب القادمة.
كل هذه المؤشرات المبنية على ما يصدر من واشنطن إلى جانب دخول حاملة الطائرات الأميركية الشهيرة «أبراهام لنكولن» مياه المنطقة والتي تعد أضخم سفينة حربية في العالم، وهبوط الطائرات الأميركية العملاقة (B52) في قاعدة العديد بالدوحة المتمركزة فيها نخب من القوات الأميركية، تؤكد على أن الخيار العسكري بات خياراً استراتيجياً يمكن اتخاذه في أي وقت.
وعلى رغم أن حرباً بمعناها الشامل، كما يشير الخبراء العسكريون، لا يمكن لدولة عظمى مثل أميركا أن تطلقها بهذا المستوى الاستعدادي، حتى بوصول حاملة الطائرات ووصول القاذفات العملاقة التي يمكن لعشر منها فقط مسح إيران من الخريطة، وذلك طبعاً ليس بسبب قصور في القدرات الأميركية بقدر ما هو وجود قدرات إيرانية عسكرية ستقاوم على الجانب الآخر مهما بلغ ضعفها أمام الآلة الأميركية الأعلى تقدماً في العالم، ولنا أمثلة كثيرة في حروب سابقة في المنطقة.
ولعل هناك في الجانب الآخر من يشير من خبراء الحرب ويؤكد على أنه ليس بالضرورة أن تكون أميركا بكل إجراءاتها وتحركاتها العسكرية الميدانية القائمة منذ فترة تتهيأ لحرب صريحة وشاملة على إيران، بل إن بعضهم وصل لما هو أكبر من ذلك، واستبعد حتى توجيه ضربة عسكرية محددة لمواقع استراتيجية إيرانية، واعتبر أن كل ما يجري مجرد ضغوط قوية ورسائل صريحة للنظام الإيراني ليس فقط لمجرد تفكيك الاتفاق النووي، بل أصبح ميدان الضغوط يتجاوز ذلك بمراحل، وبات السقف الأميركي هذه المرة يضيف لسلة مطالبه الانسحاب الإيراني الفوري من مواقع الاضطرابات في المنطقة، وتحديداً في سورية والعراق ولبنان واليمن، والتخلي الكامل غير المشروط عن دعم المنظمات الإرهابية، وكذلك الكف عن تهديد الملاحة البحرية الدولية في مضيق «هرمز».
وعلى رغم تذبذب حدة الموقف الأميركي كما هي عادة الرئيس دونالد ترامب، الذي يمكن له خلال ٢٤ ساعة الانتقال من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، إلا أن البنتاغون حيث مركز إدارة وصناعة القرار العسكري الأميركي، بات اليوم يتعامل مع الموقف بوتيرة تصاعدية واضحة، وأن مرحلة ما قبل الإعلان عن تحرك حاملة الطائرات لن تكون كما هي عليه بعدها، وستظل هذه القوات الأميركية سيفاً مسلطاً على رقبة النظام الإيراني الذي لم يعد أمامه إلا أمران لا ثالث لهما؛ إما تنفيذ قائمة الشروط الأميركية التي «لخصتها أعلاه»، أو إطلاق صافرات الإنذار في طهران وبوشهر وأصفهان.