وسط قعقعة السلاح الهادر في البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي، ومع عودة إيران إلى سيرتها الأولى الخاصة بحروب ناقلات النفط، عطفاً على خططها واستراتيجياتها الدموية المعدة مسبقاً لنشر الفوضى والنار والدمار، إقليماً ودولياً، يضحى أفضل تعبير استمع إليه المرء في الساعات القليلة المنصرمة، هو ذاك الذي جاء على لسان المبعوث الأميركي للشؤون الإيرانية براين هوك، خلال حديثه مع صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية، وفيه تساءل، وله الحق في السؤال ألف مرة، وعلى العالم التفكير: «إذا كان الإيرانيون يتصرفون على هذا النحو وتلك الطريقة، من دون أن يمتلكوا السلاح النووي، فكيف سيتصرفون في حال امتلكوه»؟
علامة استفهام السيد هوك مثيرة للتأمل من جهة، وعاكسة لمستقبل الأزمة الإيرانية في تقاطعاتها وتشارعاتها مع إدارة الرئيس دونالد ترمب، التي تدرس الآن جميع خطط المواجهة العسكرية مع الملالي وحرسهم الثوري، مواجهة جامعة مانعة، بعد أن طال الصبر الاستراتيجي الأميركي على الإيرانيين لمدة 4 عقود، وبات الشعار «الآن وهنا… كفى جداً».
التحليل الدقيق لجميع التصريحات الأميركية الأخيرة توضح لنا أن الأميركيين غير راغبين في الدخول في الحرب، لكنهم قادرون عليها ومستعدون لها، وفارق كبير بين الرغبة وبين القدرة، فالأولى اختيار عاطفي، والثانية فعل حتمي جبري قدري، قد يدفعك إليها من لا تريد له أن يفعل، لكنه يقدم على خياراته غير عابئ بالعواقب، وبخاصة إذا أدرك أنه طوق نجاته الوحيد، وإن احترق أو غرق.
هوك يؤكد أن إدارة ترمب غير قلقة من احتمال حرب مع إيران، وأنها تريد صفقة جديدة معها، لكن في الغالب الأعم ذلك لن يحدث، فالملالي يعرفون الشروط الاثني عشر التي لا بد لهم من الإقرار بها حال أرادوا الجلوس على الطاولة مع ترمب، والقبول بها يعني انهيار الهيكل الاستراتيجي لبنية النظام ورؤاه الاستبدادية في الداخل من جهة، وانهيار أطماعه التوسعية في الخارج، ولهذا تكاد أصوات الحرب تسمع في الآفاق.
ما جرى الأيام القليلة الفائتة من اعتداء وتخريب على 4 سفن بحرية تجارية، أمر لا تخطئ العين دلالاته أو خلفية القائمين عليه، ولا سيما أن إيران تدرك جيداً أن طبيعتها الجغرافية تزخمها بمدد لوجيستي كبير من خلال إطلالتها البحرية، ولهذا فإن غالب الظن – والعهدة هنا على الراوي الأستاذ الأميركي في علوم الاستراتيجية البحرية بكلية الحرب البحرية جيمس هولمز – ستقوم إيران بشن هجمات غير منتظمة داخل مضيق هرمز وحوله؛ حيث يعتبر هذا المكان مألوفاً للبحارة الإيرانيين، كما أنهم سيتمتعون بالتفوق البري قبالة الشواطئ المحيطة.
في هذا الإطار سيكون الخطر قائماً وقادماً بالفعل بالنسبة للسفن التي تعبر من مضيق هرمز، والتي ستضحى على الدوام في مرمى الأسلحة الإيرانية المنصوبة على الشاطئ، مثل صواريخ الكروز، والطائرات التكتيكية، بالإضافة إلى أسراب القوارب الصغيرة التابعة لـ «الحرس الثوري» الإيراني المعلن حرساً إرهابياً منذ أسابيع، من قبل إدارة الرئيس ترمب.
لم يعد «بوق القرن» المؤذن بانطلاق المعركة احتكاكاً أو اعتداء إيرانياً على أي قوات أميركية في المنطقة، بل بات الحديث عن أن أي تسريع إيراني من أجل الحصول على أسلحة نووية ربما يستوجب بدء دوران عجلة المواجهات، وهذا ما أشارت إليه «نيويورك تايمز» الأميركية بشأن الخطط التي قدمت لترمب، ومن بينها تصورات لإرسال ما يصل إلى 120 ألف جندي إلى الشرق الأوسط.
يكاد المرء يوقن أن جولة جديدة من جولات صقور المحافظين الجدد، عطفاً على أنصار اليمين الأميركي، باتت مرجحة للعمل العسكري، لا بوصف الحرب نزهة، بل إيقاناً واعتقاداً بأن الخيارات كافة لم تعد مجدية، في ظل التلاعب والتسويف الإيرانيين التقليديين، وفي المقدمة من هؤلاء جون بولتون مستشار الأمن القومي، وجينا هاسبل مديرة وكالة الاستخبارات المركزية، ودان كوتس المسؤول الأعلى عن مجمع الاستخبارات الوطنية، إضافة إلى رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد القادم من قوات مشاة البحرية، والمرشح لتكون له الكلمة النهائية حال اندلاع المواجهات.
القوة النارية الأميركية المتجهة بالقرب من إيران، تكاد تكون الأعتى من نوعها منذ عقود في المنطقة، وتؤكد أن هناك تحضيرات عسكرية نستطيع أن نقرأها في هذه المرحلة؛ حيث بداية التصعيد لدعم الدبلوماسية الخشنة تجاه طهران صاحبة الخيار في أن تقتنع بجدوى الرسالة، وهو ما يشكك فيه كثيرون، ما يعني أن هاتف الرئيس ترمب الذي مرر رقمه إلى الإيرانيين من خلال السويسريين لن يدق أبداً!
حين ترسل واشنطن مشفاها البحري Mercy – class إلى مياه الخليج، يوقن المرء أن المشهد مغاير هذه المرة، وأن سيناريوهات التنفيذ على مرمى البصر، ومن دون منظار، كما أن الأسوأ يطرق أبواب إيران بقوة، وتبقى الكرة في كل الأحوال في ملعب الشعب الإيراني، الذي عليه التقرير، فالأمر أكبر وأهم من أن يُترك لحراس الإرهاب الثوري.