ليس واضحا اذا كانت التغريدة على الحساب الرسمي للسفارة الاميركية في دمشق على موقع تويتر من “ان التقارير الميدانية من سوريا تفيد ان بشار الاسد لا يتجنب التعرض لارهابيي داعش فحسب بل انه يسعى بصورة نشطة لتعزيز نفوذهم ومواقعهم” في اشارة الى “انه يقصف من الجو للمساعدة في تقدم داعش ونحن نرى منذ زمن ان نظام الاسد يبتعد عن الجبهات التي يحارب فيها داعش ما ينفي ادعاء انه يحارب التنظيم” ستعفي التحالف الذي تقوده واشنطن من توجيه ضربات عسكرية في سوريا بعد الان. وهذا التعليق ورد على اثر مواجهة داعش قوات المعارضة ومنعها في التقدم في حلب ما يساهم في حماية مواقع النظام حتى الان في انتظار ان يجد حلفاء الاسد طريقهم الى مساعدته. لكن واشنطن ستجد نفسها محرجة في حال عمدت الى توجيه الضربات مجددا لمواقع التنظيم في سوريا في الوقت الذي تمتنع عن توجيه الضربات للنظام متى كان الاثنان يتكاملان ويتعاونان أو تمنعه من رمي البراميل المتفجرة على المدنيين علما ان احراجا وجدت نفسها فيه لدى استخدام النظام غاز الكلور مجددا ما اضطر وزير الخارجية الاميركية جون كيري الى اثارة الموضوع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف قبل اسابيع في سوتشي والهروب الى لجنة تحقيق في الموضوع للمزيد من التأكيد.
السؤال الذي تثيره مصادر سياسية متابعة يتصل بما اذا كان مضمون الموقف الاميركي ينحو الى ايجاد مخرج في ظل تطورات ستغدو اكثر توريطا لواشنطن لجهة ان تجد نفسها في السرير نفسه مع ايران في سوريا كما هي الحال في العراق علما ان ثمة تمايزات كبيرة. فالمعلومات التي تسارعت في الايام القليلة الماضية التي تحدثت عن وصول الاف المقاتلين الايرانيين والعراقيين وسواهم الى سوريا من اجل وقف انهيار النظام بعد تراجعه الكبير ميدانيا وحماية المناطق التي لا يزال يسيطر عليها بالاضافة الى محاولة استرجاع جسر الشغور وتدمر وتلك التي نقلت عن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني اللواء قاسم سليماني “ان العالم سيفاجأ بما نعد له نحن والقادة العسكريين السوريين حاليا” تكرر مشهد سليماني في العراق وقوات الحشد الشعبي الشيعية. كما انها تسلط الضوء على اضطرار ايران الى الانخراط مباشرة وليس فقط عبر الميليشيات التي تدعم في المنطقة ما يعبر عما بات فعلا على المحك بالنسبة اليها. فثمة غطاء اعتمدته واشنطن في العراق استند الى ان الحكومة العراقية هي التي طلبت المساعدة الاميركية فيما اخذ لافروف على التحالف ولمناسبة اجتماع بعض الدول في باريس اخيرا لبحث سبل مواجهة التنظيم عدم تنسيق التحالف تعاونه مع الرئيس بشار الاسد في الوقت الذي امتنعت فرنسا ودول اخرى المساهمة في الضربات في سوريا لئلا يصب في مصلحة الاسد. الا ان الوضع في سوريا هو غيره في العراق باعتبار ان لا وجود اميركيا استشاريا أو حتى ديبلوماسيا وليس هناك سوى الضربات الجوية ضد داعش وهي ليست كثيرة في حين ان ايران تخوض تجربة في سوريا مختلفة عن تجربة العراق انطلاقا من ان البيئة المذهبية التي تسيطر عليها ايران في العراق لها ارتدادات مختلفة في سوريا مع وصول مقاتلين ايرانيين وعراقيين لرفد الاسد بدعم كبير.
الاندفاع الايراني في سوريا من اجل منع انهيار الاسد يحصل مرة جديدة بعدما ساهم تدخل “حزب الله” في حزيران 2013 في ذلك. وهو يعزز الاعتقاد الذي انطلق مباشرة بعد بدء “عاصفة الحزم” السعودية في اليمن من ان ايران بدأت مسارا تراجعيا في المنطقة على غير ما كان سائدا من تقدمها المطرد في السيطرة على عواصم المنطقة ولا تود ان يحصل في سوريا ما يحصل في اليمن خصوصا مع تقدم المعارضة المدعومة اقليميا التي اكتسبت معنويات من حرب اليمن. ليس مصير النظام وحده ما بات على المحك ويخشى انهياره قبل ان تنتهي المفاوضات بين ايران والدول الخمس الكبرى زائد المانيا فيساهم في اضعاف موقع ايران واوراقها التفاوضية بل ان المصالح الاستراتيجية المباشرة لايران هي التي باتت اكثر على المحك بعد التطورات الميدانية الاخيرة في سوريا التي لا تود ان تراها تنهار في سوريا بعد اليمن فتخسر المزيد من موقعها في سوريا.
المعطيات نفسها تتحدث عن الكثير أيضاً:
بعض هذا الكثير يتصل بماهية الجيش الذي بقي من النظام السوري المتهالك من اجل الحفاظ على هيكلية النظام لما بعد ايجاد حل سياسي بعد اعتماده كليا على مقاتلين باعداد كبيرة من حلفائه. فالمضي في استمرار الحرب يستدرج مزيدا من اعتماد النظام على ايران وقواها المباشرة وليس فقط على الميليشيات العراقية.
بعضه الآخر يتصل أيضاً بالحد الاقصى الذي تم الاعتماد من خلاله على “حزب الله” وعدم القدرة على استنزافه ابعد من المناطق المباشرة القريبة من الحدود اللبنانية علما ان هذه وحدها باتت تشكل ثقلا على كاهل الحزب ليس في الداخل اللبناني فحسب بل من ضمن طائفته على نحو غير معهود بما يمكن ان يرتب تأثيرات بالغة عليه.
وثمة ما يتصل أيضاً برصد رد فعل اسرائيل من التورط الايراني المباشر ميدانيا في سوريا في ضوء الغارة التي وجهتها قبل اشهر قليلة ضد وجود “حزب الله” وقادة ايرانيين على حدودها.