وضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه أمام أصعب امتحان. إمّا ينفّذ ما التزم به بعد جريمة الكيماوي الأسدية في «خان شيخون» السورية، فينجح ويحسب الجميع حساباً له في أي التزام سياسي خارجي وحتى داخلي يلتزم به، أو يتراجع ويستخف الجميع بكلامه وتعهّداته. ترامب قال بعد اختناق أطفال ورجال «خان شيخون» وانتشار صورهم الموثقة في العالم: «موقفي من سوريا والأسد تغيّر بوضوح، وما حصل غير مقبول بالنسبة إليّ». كان يمكن أن يمر هذا التعهّد بهدوء لو لم يُشكّل انقلاباً غير محسوب كما عملية القصف، قبل ثلاثة أيام أو أكثر. ترامب بدا وكأنه فتح «كوّة» في جدار عزل بشار الأسد عندما تراجع عن أولوياته في سوريا ولم يعد إبعاد الأسد الأساس والبداية للحل.
«المعارضات» السورية، بدت بعد التصريح الأول «مُحبطة وحزينة»، وكأن بداية النهاية قد دقّت لاستمرار الأسد بدون محاسبة حتى العام 2021، أي حتى نهاية ولايته على الأقل. بعد هذا الموعد يصبح كل شيء ممكناً بما فيه التعامل مع ما قاله بشار الأسد بأن «خليفته سيكون حافظ بشار الأسد».
طبعاً، ليس موقف ترامب هو السبب الوحيد لاستمرار الأسد. في لحظة تجلٍّ اعترف بعض عقلاء المعارضة، أن القيادات تتحمّل مسؤولية تاريخية في الوصول إلى هذا الوضع الذي أقل ما يُقال فيه إنه «إعلان هزيمة مرسومة». فالثورة التي وُلدت بانتفاضة شعبية، لم تنجح في تشكيل قيادة وطنية تحمل برنامجاً وطنياً. لذلك مع عسكرة الثورة والتدخّل الانزلاقي المقسّم والمشتّت للدول الداعمة، وُلِدَ «أمراء الحرب» في القرى والأزقّة، فــ«تلبننت» الثورة إلى أن تقدّمت «السورنة» بأشواط على هذه «اللبننة». لذلك تبدو «المعارضات» بحاجة إلى «ثورة» ثانية حتى تنهض وتفرض نفسها، ما يعني أن «ساعة الرمل» لرحلة النار والدماء والدموع في سوريا ما زالت في بدايتها، وأن كل ذلك لا بد أن ينعكس على إعادة بناء سوريا من النظام إلى المجتمع.
«تنمّر» الرئيس بشار الأسد المعروف عند تسجيله أي نجاح، دفعه هذه المرّة للسقوط في فخ اختبار الرئيس دونالد ترامب الذي لم يفعل كما فعل باراك أوباما في وضع «خط أحمر» للمحاسبة ثم تراجع عنه. لذا السؤال الكبير: ماذا سيكون الردّ الترامبي على جريمة «خان شيخون»؟
من المؤكد أن ترامب لن يشنّ حرباً شاملة ولا عملية لإسقاط الأسد، لأن على الرئيس الأميركي الأخذ في حساباته موقف روسيا و«القيصر» بوتين أولاً وثانياً إيران.
لن يدخل ترامب في مواجهة مكشوفة وواسعة مع «القيصر». حسابات الإثنين أكبر بكثير من سوريا والأسد. أمام الإثنين ملفات أكثر أهمية وخطورة تمتد من البلقان إلى الشرق الأوسط، إلى مسألة خطورة الانزلاق نحو حرب باردة جديدة. لكن جريمة «خان شيخون» أعطت ترامب ومعه البنتاغون الفرصة الكاملة لتوجيه «رسالة» واضحة وشفّافة. حتى «القيصر» لا يمكنه أن يتصرّف وكأن لقراره مطلق الحرية، وأن حماية بقاء الأسد في السلطة ليست أمراً لا رجعة عنه. بوضوح، كل شيء قابل للتفاوض وللحساب وللتنازل، وبذلك يكون الحكم من نوع «خذ واعطِ». باختصار، سيأمر ترامب ومعه البنتاغون، كما تسرّب من واشنطن لأوساط سورية معارضة، «بتسديد ضربات إلى مواقع معينة تعني نظام الأسد مباشرة تكفي لإعلان التحوّل في موقف واشنطن وتمهّد لاستئناف مساعي الحل من موقع دولي مختلف»، قبل ذلك تكون القمّة بين ترامب وبوتين متى عقدت عملية أكثر تأخذ كثيراً في حيثياتها موازين القوى القائمة.
أما بالنسبة لإيران، فإن «مجزرة خان شيخون» وفّرت للرئيس ترامب الفرصة التي يريدها من دون أن يفتعلها. ترامب يريد منذ دخل البيت الأبيض التعامل مع إيران من موقع القوّة والضغط من دون الانخراط في مواجهة مباشرة وشاملة معها. في سوريا أفضل فرصة ميدانية لوضع حدّ للتمدّد الإيراني. من الصعب جداً تحديد شكل وطبيعة العملية، خصوصاً أن لا قوات إيرانية في سوريا وإنما «مستشارون» وميليشيات شيعية تحت إمرتهم، فهل يكون التعامل الذي يضيء الضوء الأحمر أمام إيران، ضدّ «حزب الله» أساساً والميليشيات لاحقاً، وكيف؟
كل الاحتمالات قائمة. ضبط النفس ممكن والانزلاق نحو المستنقع ممكن وقائم. ما يجعل من الخيارات صعبة، أن الإدارة الأميركية كما يبدو، تأخذ في الاعتبار في أي تعامل مع إيران، أن النظام على موعد مع الانتخابات الرئاسية. لذلك لا يجب القيام بأي عملية حتى ولو كانت من نوع فرض عقوبات جديدة، فكيف إذا كانت عسكرية، حتى لا يستثمرها المعسكر المتشدّد بزعامة آية الله علي خامنئي باستثارة المشاعر الوطنية والقومية المعادية لأميركا، لعل ذلك يساهم في ترك الإيرانيين يقبلون على منح ثقتهم للرئيس حسن روحاني المعتدل. لذلك فإن أي عملية ضدّ إيران في سوريا، يجب أن تحصل بعد الاقتراع في منتصف الشهر القادم.
هذا الموعد وهذه الحسابات، لا تعني أبداً أنها نهائية وأنها تفرض توقيتاً لا يمكن الرجعة عنه. في سوريا وقد ثبت ذلك طوال خمس سنوات، إن المتغيّرات الطارئة والمفاجئة هي الثابت الكبير.