مِن السابق لأوانه القول إنّ لوحة التوازنات السياسية والإقليمية في المنطقة مرشّحة للتبلوَر في القريب العاجل على قاعدة تسويات قريبة لملفّاتها، سواءٌ المتفجّرة منها أو تلك التي في حال انتظار.
على الأقلّ هذا ما تنضَح به أروقة السياسة الأميركية وما يُدلي به عددٌ من مسؤوليها، وما يتناوله الإعلام الأميركي. هناك شِبه إجماع على أنّ اتّفاق الإطار النووي بين إيران ودوَل الغرب، لا يزال يحتاج الى جهود كثيرة، لكي يتحوّل اتّفاقاً رسمياً بكلّ أبعاده العَملية والإجرائية.
فبَعد أقلّ من إسبوع، خَلت تصريحات كبار المسؤولين الأميركيين وكذلك الإيرانيين، من عبارات «الحدث التاريخي» لتسودَ مكانها لغة أكثر عقلانية، فيما الملفّات الإقليمية والنزاعات المحتدمة في المنطقة، عادت لتكون هي محورها.
لا بل هناك مَن يعتقد بأنّ عودة انتقاد دور إيران «المزعزع» للمنطقة، بدءاً من الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى آخر الموفدين الأميركيين الذين يجولون ويتّصلون بزعمائها، تعكس شكلاً جديداً من الضغوط التي تمارَس لإجبارها على الإلتزام بتوقيع الاتّفاق النهائي ضمن المهلة التي تنتهي نهاية حزيران المقبل.
وتكشف كتابات أميركية جادّة أنّ القضايا العالقة مع طهران، قبل الحديث عن خروج «الدخان الأبيض»، تتمحوَر حول حدود الأبحاث وتطوير أجهزة الطرد المركزي المدفونة في منشأة فوردو المحصّنة، وآليّة رفع العقوبات وإعادة فرضِها إذا تبيّن أنّ طهران تمارس الخداع، وعملية التحقّق والمراقبة للمواقع المفترَض أنّها لا تغطّي أنشطة نووية مشبوهة.
هناك مَن يصنّف «إنتقادات» أوباما للأوضاع الداخلية في دول المنطقة والخليجية منها على وجه التحديد، وإشارته الى أنّ إيران ليست هي الخطر على تلك الدوَل، بأنّها استكمال لسياسة «العصا والجزرة» التي لم ينفكّ عن استعمالها تجاه طهران.
هكذا يعَلّق أحد المسؤولين الأميركيين على مقابلته مع صحيفة «نيويورك تايمز»، مشيراً إلى أنّ أحداً من الأميركيين لا يمكنه التكهّن بسلوك إيران في المرحلة المقبلة، سواءٌ في الأشهر الثلاثة أو الأربعة المقبلة، أو ما بعد بدء تطبيق بنود الاتّفاق النووي، إذا وُقّع في موعده.
لكن لا بدّ من الأخذ في الاعتبار إلتزامَ حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني بتطبيق دقيق للاتفاق الأوّلي الذي وقّع قبل 18 شهراً، ما شَكّلَ «مفاجأة» سياسية للمفاوضين الأميركيين، وفُهم مغزى التظاهرات الإحتفالية التي شهدَتها طهران ومدنٌ إيرانية أخرى وتقييمها، ما قد يشكّل عنصراً ضاغطاً فيما لو تمّ التراجع عمّا تحقّق حتى الآن.
يضيف هذا المسؤول أنّ الوضع الذي تمرّ به المنطقة حسّاس جداً، خصوصاً أنّ وتيرة الاصطفافات التي حصلت والاستعدادات لخوض مواجهات عسكرية مفتوحة، من شأنها أن تفرضَ على الجميع، خصوصاً إيران، إعادةَ قراءة وحسابات.
فالحلفُ الذي أعلنَته السعودية إثر انطلاق «عاصفة الحزم» في اليمن، يتّجه لاكتساب أسنان أقوى يوماً بعد يوم. والحديث عن مأزق يتّجه نحوه والرهان على تفكّكِه انطلاقاً من حسابات، بعضُها يقوم على التمنّيات وعلى كتابات صحافية من هذا الطرَف أو ذاك، تعوزه الدقّة.
فالتحَدّيات التي يواجهها أوباما في تسويق اتّفاقه مع إيران باتت تتركّز خارجياً على محاولة تهدئة مخاوف الدوَل السنّية في المنطقة، مع إحساسها المتزايد بفداحة الهجمة التي تقودها إيران، وعدم اكتفائها «بالضمانات» و»التطمينات» الأميركية لحمايتها، حين باتت الحرب على حدودها.
لا يمكن منع تلك الدوَل من أن تنحوَ منحى إيران في بناء مشروع «نووي سلمي»، فيما المنطق يقول إنّه أمام استنكاف واشنطن عن تأدية أدوار مباشرة في المنطقة، ومطالبة أوباما تلك الدوَل بأن تديرَ سياساتها الإقليمية بنفسها، يفرض على واشنطن القبول بنوع من التوازن الميداني مع طهران.
يقول هذا المصدر إنّ أوباما وجد نفسَه مضطرّاً للقبول بهذا التوازن الذي تطمح إليه دول المنطقة، لذلك أعلن دعمَه للعملية السعودية في اليمن وقد يغطّي عملية تركية متوقّعة في شمال سوريا.
زيارة الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان إلى إيران قد تكون وضعَت نقاطاً على حروف العلاقة بين البلدين، في ظلّ إدراكهما ما هو مقبول ومرفوض خلال ترسيم حدود مصالحهما.
واشنطن التي سَرّعت في تسليم شحنات الأسلحة والمساعدات الإستخبارية للسعودية، وأفرجَت عن مساعداتها السنوية لمصر وعن صفقةِ الطائرات والصواريخ والدبّابات، تبعث برسائل متعدّدة الاتّجاهات.
لكن أهمّها أنّها طوَت صفحة رهانها على «الإخوان المسلمين» في المنطقة، في وقتٍ تُعيد السعودية بناءَ شبكة علاقاتها مع هذه الجماعة وفقَ أولويات وأجندات تخدم نزاعَها الإقليمي.