IMLebanon

إيران في فيينا.. سبب وجيه لحضورها

قبل صدور نتائج الانتخابات التركية التي تشكّل ضربة ذات طابع شخصي لبشّار الأسد، كان لقاء فيينا المخصّص لسوريا الذي جمع سبعة عشر وزيرا للخارجية، بمن في ذلك الوزير الإيراني محمد جواد ظريف، مليئاً بالدلالات. جاءت اهمّية اللقاء اوّلا من غياب النظام السوري. هذا يؤكد ان مستقبل سوريا بات يبحث في معزل عن النظام الذي جلس رئيسه، قبل فترة قصيرة، امام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كالتلميذ امام المعلّم. 

من الدلائل الأخرى المهمّة التي ظهرت من خلال لقاء فيينا الحضور الإيراني. تسعى إيران، التي بدأت تلوّح بمقاطعة اللقاءات المقبلة، تمارس لعبتها المفضّلة التي اسمها الإبتزاز. لا تعرف إيران ان لعبتها مكشوفة، خصوصا بعدما صار المسؤولون في طهران يعتقدون انّهم اقرب الى الإدارة الأميركية من دول مجلس التعاون الخليجي، وان هذا التقارب مع واشنطن اكثر من كاف للحصول على دور اقليمي يوازي الدور الإسرائيلي. 

تدرك إيران انها لم تستطع تحقيق طموحها المتمثّل في المجيء الى فيينا، الّا بغطاء اميركي، وبعدما صار النظام السوري اسير موسكو ورغباتها واستراتيجيتها البعيدة المدى. تراهن موسكو بوضوح على ما بقي من مؤسسات الدولة السورية، خصوصا على الجيش والضباط العلويين، لكنّها قد لا تكون متمسّكة بشخص بشّار الى ما لا نهاية… هل هذه نقطة التقاء مع طهران ام نقطة اختلاف معها؟.

لم يعد سرّا ان روسيا تدخّلت عسكرياً في سوريا من اجل انقاذ إيران التي اكتشفت انّها عاجزة عن ايقاف بشّار الأسد على رجليه. تورّطت إيران وميليشياتها المذهبية في سوريا منذ اندلاع الثورة الشعبية في آذار 2011. 

كان التدخل الإيراني بشكل غير مباشر في البداية قبل ان يصبح هذا التدخل مفضوحا، خصوصاً مع مقتل جنرالات من «الحرس الثوري» دفاعاً عن النظام العلوي الذي ورثه بشّار الأسد عن والده. هذا النظام الذي تحوّل مع الوقت الى نظام عائلي مرتبط مباشرة بإيران اكثر من ايّ شيء آخر، فيما بقيت المؤسسات التقليدية للدولة، بما في ذلك قطاعات في الجيش والاجهزة الأمنية على علاقات عميقة بموسكو… علاقة يمكن وصفها بالتاريخية.

دخلت روسيا طرفاً مباشراً في الحرب على الشعب السوري بعدما اكتشفت ان إيران عاجزة عن انقاذ نظام سلّمها كلّ شيء. سلّمها سوريا وسلّمها لبنان. حلّت الوصاية الإيرانية مكان الوصاية الإيرانية ـ السورية على لبنان نتيجة مغامرة مشتركة استهدفت التخلّص من الرئيس رفيق الحريري في شباط من العام 2005.

عاجلا ام آجلا، سيحلّ وقت الحسابات المختلفة في سوريا. هل في استطاعة روسيا، التي تعاني من ازمات داخلية مستفحلة، حماية بشّار الأسد ونظامه؟. هل يكون حظ روسيا في سوريا افضل من حظ إيران؟.

ترافق الإجتماع المنعقد في فيينا مع تصعيد عسكري روسي على الأرض في كلّ الاتجاهات، خصوصا في محيط دمشق حيث تعرّضت دوما لمجزرة ذهب ضحيتها العشرات. شمل التصعيد درعا والجولان وحلب وادلب. كان الهدف تأكيد عمق التنسيق الروسي ـ الإسرائيلي في سوريا ومدى حرص اسرائيل على نظام بشّار.

مَن يتمعّن في السياسة الروسية يكتشف ان كلّ ما تفعله موسكو حالياً هو استغلال للغياب الأميركي لا اكثر. ليس في واشنطن ادارة تستطيع القول لموسكو ان الحرب الباردة انتهت وان لا طائل من التدخل العسكري في مواجهة شعب بكامله بحجة القضاء على «داعش». الطفل يعرف ان «داعش» والنظام السوري وجهان لعملة واحدة. 

هل جاءت روسيا لإنقاذ النظام السوري، الذي لن ينقذه شيء، خصوصاً في ضوء نتائج الانتخابات التركية التي تشكّل ضربة اخرى لبشّار… ام جاءت لإنقاذ إيران في سوريا؟. 

في المدى الطويل، تحتاج روسيا الى مَن ينقذها من ازماتها الداخلية، بدءاً بالاقتصاد المنهار، الذي بقي رهينة لأسعار النفط والغاز، وصولا الى المجتمع المهترئ. روسيا من الدول القليلة التي يتناقص فيها عدد السكّان. روسيا فوق ذلك كلّه دولة لا حديث فيها سوى عن الفساد، خصوصا في الأوساط المحيطة ببوتين.

امّا إيران فلا يشبه الوضع فيها سوى الوضع الذي كان سائدا في سوريا عشّية اندلاع الثورة الشعبية. هناك كره ليس بعده كره لدى معظم المواطنين الإيرانيين لنظام يصرف الأموال في لبنان وفلسطين واليمن، على سبيل المثال وليس الحصر، فيما نصف الشعب الإيراني تحت خط الفقر!.

جاءت روسيا لإنقاذ إيران، او ما بقي لإيران في سوريا. جاءت إيران قبل ذلك لإنقاذ النظام… فيما هناك نظام لا يستطيع احد انقاذه. 

حضرت إيران لقاء فيينا لسبب واحد، ربّما. يتمثّل هذا السبب في انها مصرّة على ان تكون من بين الذين سيشاركون في صلاة الغائب على روح النظام… انه سبب وجيه لحضورها وللتأكّد بالملموس ان ثمة حاجة الى من يرث النظام، فيما لا يزال رئيسه حيّا.

كل ما في استطاعة إيران تحقيقه يتمثّل، في حال كانت تريد ان تكون متفائلة، في الحصول على جزء من هذه التركة. وهذا ما يفسّر مباشرتها من الآن المتاجرة بمشاركتها مستقبلا بلقاءات مثل لقاء فيينا. هل من هو على استعداد للعب لعبتها وتبادل الخدمات معها وضمان حصّة لها من التركة السورية؟