IMLebanon

إيران الداخل!

حديث الأخلاق في السياسة، عند بعض القوى والدول والأنظمة، يشبه حديث صاحب هذا المقال باللغة الصينية: لا صلة قربى بين الأمرين، بل تنافر يُقاس تماماً بتاتاً بالمسافة الفاصلة بين بيروت وبكين!.

لكن حديث القيم ومكارم الأخلاق يليق بالأفراد كما الجماعات كما بالدول. وكلما زاد الادعاء، زادت وتيرة الحساب.. أي يمكن توجيه مليون سؤال إلى القيّمين على القرار الإيراني عن طبيعة السياسة التي يعتمدونها إزاء الخارج في جملته، مع الافتراض سلفاً بأنهم لن يشعروا بأي حرج في تقديم جواب واحد يختصر كل الأسئلة، وهو المندرج تحت عنوان «المصلحة الوطنية» أو «الأمن القومي» أو أي كلام مشابه يمكن أن تعتمده أي دولة لتبرير أي شيء وكل شيء!

غير أن إيران تقدم نفسها باعتبارها دولة قيم دينية قبل أي شيء آخر. وهذه، عدا عن حدود الشرع المنزّل ومعطى الحلال والحرام، يُفترض أن تقدم أداء يختلف جذريًّا عن أداء غيرها من الدول التي تعتمد أنظمة وضعية فيها أشياء كثيرة، منها البيع والشراء في التجارة والعلاقات السياسية سواء بسواء!

ولأن القياس واحد، لا يمكن الفصل بين الداخل والخارج.. بل المفارقة، هي أن أداء القيّمين على القرار الإيراني، إزاء الخارج، يبدو هو ذاته الذي يعتمدونه إزاء الداخل. أو هكذا يُفهم تماماً من مقالة مدير صحيفة «جمهوري إسلامي» مسيح مهاجري بالأمس التي أسف فيها لما سمّاه «الانحدار الأخلاقي» الذي تعاني منه إيران تحت وطأة الثقل البطّاش لنظام «ولاية الفقيه» والإمعان في إلغاء كل آخر مختلِف وصولاً إلى تغييب العموم وإرادتهم الجامعة. بحيث إن مهاجري، الذي يُعتبر من أبرز الإعلاميين الإيرانيين وواحداً من مؤسسي «حزب الجمهورية الاسلامية» (الحاكم) في بدايات الثورة، لم يتردّد في العودة إلى البدايات في أصلها وفصلها: «لو أُلغي دور الشعب في تقرير مصيره، لكان علينا أن نُبقي الشاه. فلماذا قمنا بالثورة».. هكذا كتب بالحرف!

صعب في الإجمال لمَن هم غير إيرانيين، مجاراة مواطن إيراني ضليع بمستوى مهاجري في معلوماته وخلاصاته واستنتاجاته، لكن يمكن بسهولة لأي عربي، من اليمن إلى لبنان مروراً بالخليج والعراق وسوريا، «المساهمة» في المقال الذي نشره في «جمهوري إسلامي»، واختصار الأمر بخلاصة مريرة: هؤلاء رأوا في الأداء الخارجي كل مقوّمات الأداء الداخلي! بل أسوأ بما لا يُقاس ولا يُحصر ولا يُفهم (في النتيجة!) خصوصاً، وخصوصاً جداً في هذه الأيام حيث ان «المصلحة الوطنية» و»الأمن القومي» يبرران لصاحب القرار الإيراني فتح كل الخطوط مع الغرب (الشيطاني!!) وإغلاقها بالجماجم وحقول القتل مع المحيط العربي والإسلامي! غريب!