يؤكد الايرانيون انّ التطورات الجارية في العراق هذه الايام مهمة جداً بالنسبة الى بلورة المرحلة المقبلة في بلاد الرافدين والمنطقة، ويتوقعون عودة الغرب الى بلادهم عاجلاً أم آجلاً نسبة الى موقعها الاستراتيجي وأمنها المتماسك واقتصادها العصي على العقوبات والحصار.
لا يخفي الايرانيون انهم يقودون المعركة على الساحة العراقية ضد «داعش» واخواتها من التنظيمات المتشددة بدقة متناهية عبر حلفائهم العراقيين وبالتعاون مع الذين كانوا يعتبرون ضمن المعسكر الاميركي كالاكراد وغيرهم. ويقولون انّ كل المراهنات على كسر الطوق العراقي وجعله حاجزاً بين ايران وسوريا قد فشلت، وانّ العراق الجديد بعد تحريره من المجموعات التكفيرية سيكون الحليف الأهمّ للجمهورية الاسلامية الايرانية.
ويؤكد الايرانيون أنهم على رغم كل الغوغاء التي كانت موجودة في بلاد الرافدين تمكنوا عبر حلفائهم من تحقيق انتصارات باهرة هناك، وقد حصلت محاولات اميركية لمشاركتهم فيها، ولكنهم تمكنوا من التفرد في المشاركة في هذه الانتصارات التي حققها ويحققها العراقيون، الى درجة انهم لم يتركوا للأميركيين مجالاً للقول انهم انتصروا على «داعش» التي اعلنوا حرباً عليها بواسطة التحالف الدولي الذي أنشأوه لهذه الغاية، اذ انهم لم يتمكنوا في هذه الحرب حتى الآن من تحرير شبر واحد من الاراضي العراقية التي سيطرت عليها «داعش» واخواتها.
والى ذلك، يؤكد الايرانيون انهم نجحوا في مسألة أخرى تتمثّل في العلاقات التي نسجوها مع الاوروبيين تحت جنح المفاوضات النووية وخارجها، فعلى رغم انّ هذه المفاوضات لم تتوصل بعد الى الاتفاق النهائي المنشود حول الملف النووي الايراني. ولكن في ظل الاتفاق المبدئي الذي كان تمّ التوصل اليه في جنيف العام الماضي بين ايران ومجموعة الدول الست، بدأ الاوروبيون عبر شركاتهم التي تدعمها حكوماتهم يتوافدون الى ايران لعقد صفقات تجارية واستثمارية، خصوصاً في القطاعات المشمولة بالعقوبات الدولية المفروضة على الجمهورية الاسلامية الايراينية منذ أكثر من 30 عاماً.
ويشير الايرانيون الى انهم على رغم ادراكهم أن هذا الامر يعكس وجود نوع من الازدواجية الاوروبية في المواقف السياسية ازاء ايران، بحيث يعلن الاوربيون حرمانها من شيء ولكنهم في الوقت نفسه يقدمونه لها بسعر أعلى، يغضّ المسؤولون الايرانيون الطرف عن هذا الامر لاعتبارات يرون فيها مصلحة لبلادهم في هذه المرحلة.
ويؤكد الايرانيون انهم قرأوا ويقرأون في وضوح العقل الغربي الاوروبي والاميركي على حد سواء، ولكن الغرب يعتقد في المقابل انه قرأ نصف العقل الايراني، امّا النصف الآخر فلم يقدر على قراءته بعد.
ويشيرون في هذا الاطار الى انّ المعادلة الروسية كانت ولا تزال مهمة في كل ما تشهده المنطقة خصوصاً، والساحة الدولية عموماً. فاصطفاف روسيا وايران في معسكر واحد كان السبب الرئيسي في فشل مخطط التحالف الغربي وإيجاد سياسة مشتركة لهما في العراق، وحتى في سوريا ولبنان، اذ ان ايّ تدخّل لفرض تغيير بالقوة في سوريا او غيرها سيتصدى له التحالف الروسي ـ الايراني ومعه جميع اطراف محور المقاومة والممانعة، علماً ان روسيا، وفي ضوء ما واجهته من أزمات مع الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها، تركت لإيران حرية التصرف مع الدول الغربية وفق ما تقتضيه المصلحة الايرانية، فهناك اتفاق بين موسكو وطهران على قضايا اقليمية مشتركة.
ولا ينكر الايرانيون انّ العقوبات المفروضة على بلادهم خلقت صعوبات، ولكنهم تمكنوا خلال ثلاث سنوات من ايجاد اسواق بديلة وانتاج ما يمكن انتاجه محلياً، فلقد كانت صعوبات ولكنها في الوقت نفسه شكلت فرصة جديدة لإيران لتأمين الاكتفاء الذاتي.
اما موضوع النفط وهبوط اسعاره والذي يستهدف ايران وروسيا بالدرجة الأُولى، وعلى رغم التهويل بأنّ هناك كارثة ستحلّ بهذين البلدين بسببه، فإنّ الايرانيين يقولون ان بلادهم هي اقلّ الخاسرين في هذا المضمار من اي دولة في المنطقة، فبسبب العقوبات بلغ مستوى بيع النفط الايراني أدنى مستوياته بحيث انها تصدّر حالياً مليوني برميل يومياً.
ويلفت الايرانيون الى انه بعد وصول المفاوضات النووية الى مرحلة برزت معها مطالب غربية اضافية من ايران، فإنّ ردة الفعل الشعبية الايرانية على ذلك جاءت ضاغطة على الحكومة لكي لا تقدم ايّ تنازل، الى درجة ان بعض الذين كانوا ينادون بضرورة تعديل اللهجة واللغة في التخاطب مع الغرب يقولون حالياً «انّ الغرب يطمع في ثرواتنا وقرارنا ومستقبلنا، ولذلك لا يجب ان نتنازل من الخطوة الاولى».
وايران، على ما يقول الايرانيون، تتوقع ان يعود الغرب اليها عاجلاً أم آجلا ويقبل بما تريده لأنها بلد كبير وموقعه استراتيجي في المنطقة وله تأثيرات اقليمية وأساسية مهمة، واوضاعه الاقتصادية جيدة، والاهم من كل ذلك انّ ايران دولة متماسكة أمنياً ولديها القدرة على حماية امنها وكذلك حماية أمن جيرانها، بدليل أنّ ما تعبّر عنه مراراً تعلنه قياداتها السياسية، وكذلك قياداتها العسكرية عندما تعلن عن إنتاج أسلحة جديدة.