الاتفاق النووي وضع ايران على مفترق طرق بين خيارين في سورية:
الاول، الدفع بتنفيذ اقتراح أميركي لتشكيل مجموعة اتصال من روسيا واميركا ودول اقليمية بينها السعودية وتركيا وايران (ربما مع مصر وقطر والاردن والعراق) كي تكون المظلة السياسية للجهود التي يبذلها المبعوث الدولي استيفان دي ميستورا، بالتوازي مع حديث اوروبي عن تشكيل مجموعة اتصال اوروبية تضم منسقة الشؤون الخارجية ووزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا للانخراط مع ايران في كل ملفات الشرق الاوسط. اقتراحان، لا تزال دول عربية رئيسية تشكك فيهما وتحذر من مخاطر الاتكاء على الوعود الايرانية.
بعدما عقد المبعوث الدولي أكثر من ٢٢٠ اجتماعاً استشارياً مع سوريين ولاعبين اقليميين ودوليين، سيناقش الامين العام للامم المتحدة بان كي مون التقرير في مجلس الامن في ٢٩ الشهر الجاري. يُتوقع ان يستند دي ميستورا الى حصيلة اجتماعاته ونتائج مؤتمري المعارضة في القاهرة والأوراق الصادرة عنه ولقاءات مع ممثلي النظام السوري والمعارضة بما فيه فصائل عسكرية كي يقدم خريطة طريق يكون «بيان جنيف-1» منطلقها. هو يظن، انه نجح في استعادة الثقة مع المعارضة المسلحة بلقاءيه مع بعض قادتها وممثليها في تركيا والاردن وانتقاداته العلنية لـ «البراميل المتفجرة» العشوائية على المدنيين.
الى حين تشكيل مجموعة الاتصال الدولية – الاقليمية، يتوقع الاكتفاء حالياً بالمظلة الاميركية – الروسية ودعم مجلس الامن. اذ يتوقع ان يطلب بان من المبعوث الدولي العمل لعقد مفاوضات «جنيف-٣» بين ممثلي الحكومة والمعارضة الموسعة بحيث لا يجري الاكتفاء بـاحتكار «الائتلاف الوطني السوري» تمثيل المعارضة كما حصل في بداية العام ٢٠١٤. وان يكون التركيز الاميركي – الروسي على «جنيف-٣» والغاء فكرة عقد «منتدى موسكو-٣» مع ترك الباب أمام اقتراحات روسية خلاقة لدعم مسار جنيف باعتبار ان العاصمة الروسية، كانت الوحيدة في استضافة لقاءات بين الحكومة ومعارضين.
يظن دي ميستورا انه عندما يعقد «جنيف-٣» فان دعم ايران وعدم حصرية تمثيل «الائتلاف» للمعارضة والتفاهمات الاميركية – الروسية، ستزيل اسباب فشل «جنيف-٢».
بين الافكار التي يعمل عليها دي ميستورا ويروج لها، الدعوة الى انتخابات رئاسية مبكرة. هو يظن، انه يستطيع بيع هذه الفكرة لدى النظام وحلفائه في موسكو وطهران من ان الانتخابات المبكرة برقابة دولية ستعيد انتاج النظام و«استعادة الرئيس بشار الاسد الشرعية». لكنه في الوقت نفسه، يروج لدى المعارضة وحلفائها ان الانتخابات برقابة دولية ومن الامم المتحدة ومشاركة من يحق له التصويت من اللاجئين البالغ عددهم خمسة ملايين والنازحين البالغ عددهم حوالى سبعة ملايين «ستؤدي حكماً الى خروج الأسد».
ويراهن بعض الدول الغربية، انه في حال «اطمأنت» ايران لمصالحها وخط الامداد العسكري الى «حزب الله» وانبوب الغاز عبر العراق وسورية الى البحر المتوسط، فإنها ستكون منفتحة لقبول حل سياسي. ويقول مسؤولون غربيون ان وزير الخارجية جواد ظريف قال لوزير الخارجية جون كيرى على هامش محادثات النووي في فيينا (رغم ان المحادثات لم تكن تتناول الملفات الاقليمية) ان ايران «غير متمسكة باي شخص في النظام، بل بمصالحها وان يقرر السوريون مستقبلهم».
الرهان، ان يبدأ البحث الجدي عن حل وعن المصالح الحيوية وتقاطع المصالح. احد الافكار المطروحة، ان يتم تشكيل «حكومة انتقالية» او «حكومة وحدة وطنية» بحيث تشارك فيها شخصيات سياسية من «الائتلاف» والمشاركين في مؤتمر القاهرة و«منتدى موسكو» وان تنضم «الجبهة الجنوبية» في «الجيش الحر» وبعض الفصائل الاسلامية المعتدلة (يجري الترويج لاحرار الشام السورية وكان مقال احد مسؤوليها في صحيفة «واشنطن بوست» ضمن ذلك) الى جانب الجيش النظامي مع تطعيمه بمقاتلين من المعارضة والحفاظ عليه كمؤسسة واجراء بعض التغييرات في رموز النظام وبعض الاجهزة الامنية. وان تتفق مجموعة الاتصال على مبادئ الحل السياسي ومدته والمحاصصة السياسية او الطائفية في الهيكلية الجديدة المضبوطة في عملية سياسية تنتهي بانتخابات رئاسية حرة ورقابة دولية كمخرج للمتخاصمين محلياً واقليمياً ودولياً. ويجري كلام عن سنتين للمرحلة الانتقالية وان يصدر الاتفاق الذي سينتج من «جنيف-٣» بصياغة فنية من المبعوث الدولي ومخرجات الحوار بين ممثلي النظام والمعارضة، بقرار دولي يتضمن مراقبين وخطوات للمصالحة والدعم الاقتصادي والاعمار. ان تكون لهذه الحكومة والجيش شرعية سياسية وتمثيل طائفي كافيين لـ «التوحد ضد الارهاب». ضمن هذا السياق، سيأتي العمل على «تطوير» اقتراح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى وزير الخارجية وليد المعلم لتشكيل حلف دولي – اقليمي ضد الارهاب، بمشاركة دمشق الجديدة.
الخيار الثاني
الخيار الثاني، ان تعتبر ايران، الاتفاق النووي بمثابة شيك على بياض لسياستها في الشرق الاوسط وان تأخذ سورية كلها او قسماً من جغرافيتها واهلها وتديرهم كما تشاء. ان يفهم المحافظون وقادة في «الحرس الثوري» ان اي تسوية سياسية في سورية، ستؤدي الى غلبة الغالبية وان سورية السنية غير العراق الشيعي. لذلك، الاحتفاظ بقطعة من ارض سورية تحفظ مصالح التوسع، افضل من المشاركة في كل سورية. القلق على سورية والسوريين، ان يرجح في ايران الاعتقاد ان الاتفاق النووي بمثابة تفويض لها للانضمام الى الحلف ضد «داعش» في العراق وسورية باعتباره أولوية غربية وان تستفيد من رهاب الغرب من الارهاب، اضافة الى تفويض لـ «حزب الله» في التوغل في الحرب ضد «التكفيريين» باعتبارها «معركة وجودية». ان تترك النظام ومؤسسات الحكومة في سورية وما تبقى من الدولة تنزف في البلاد. ان يزداد نفوذها العسكري والاقتصادي. ان تضخ بعد رفع العقوبات مزيداً من المساعدات المالية والنفطية وتبني نظامها الخاص بها. ان تتقوقع وميلشياتها في المناطق التي تهمها من دمشق الى طرطوس. ان تحتفظ فقط بالدور الوظيفي لهذا الكيان، في الضغط على اسرائيل وتقديم ضمانات غير مكتوبة، اضافة الى الامداد العسكري لـ «حزب الله»، وفي الشرعية السنية في عاصمة بني امية. ان تترك ثلثي سورية في الفوضى و«خلافة» زعيم «داعش» ابو بكر البغدادي و«امارة» قيد التشكيل لزعيم «النصرة» ابو محمد الجولاني. ان يكون رهان ايران، ترك معظم سورية، بما فيها حلب ثاني اكبر مدينة والعاصمة الاقتصادية للبلاد، في الفوضى والتطرف والصراع بين الفصائل الاسلامية، كي تكون هي حليف اميركا في المنطقة لمحاربة التطرف.
اي، ان يبقى الحديث الى حين انتهاء ولاية الرئيس باراك اوباما في نهاية العام المقبل، عن مؤتمرات للمعارضة في القاهرة والاستانة وعن لقاءات بين ممثلي الحكومة والمعارضة في جنيف وموسكو وغيرهما وعن مفاوضات سرية ومسار ثان وان يستمر طرح مجموعة الاتصال والحديث عن تفاهمات ومقايضات اقليمية مثل اليمن مقابل سورية والعراق مقابل سورية. لكن في الوقت نفسه ان تتجذر الاقاليم. اقليم اردني جنوب سورية. واقليم تركي شمال سورية. واقليم ايراني في قلب سورية. واقليم «داعشي» في وسط سورية. واقليم «النصرة» في كتف سورية.
مقارنة مع لبنان
هنا، تجري مقارنة مستوحاة من التاريخ المعاصر. بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الكتلة الشرقية ودخول سورية في حرب الخليج وعملية السلام العربية – الاسرائيلية. اوكلت اميركا ادارة لبنان الى النظام السوري. بقيت القوات العسكرية والامنية في لبنان الى ٢٠٠٥. حكم النظام بلدين بنظامين سياسيين واقتصاديين. اي، ان تلعب ايران بتفاهم دولي في سورية الدور الذي لعبه النظام في لبنان لربع قرن. ان تعيد انتاج في سورية وسائط الوصاية السورية في لبنان. ان تعتقد ايران ان الظروف الاقليمية والدولية حالياً لمصلحتها كما كانت لمصلحة النظام في بداية التسعينات. ان ينتظر السوريون تغير قواعد اللعبة كما انتظر اللبنانيون تغيير قواعد اللعبة. وهنا ينقل مسؤول اوروبي عن مسؤول في طهران قوله ان «النظام السوري خط أحمر بالنسبة الينا» وان «سورية اهم بآلاف المرات من اليمن واي مكان اخر». الرهان، انه عندما تبدأ ولاية الرئيس الاميركي الجديد في بداية ٢٠١٧، سيجد نفسه امام وقائع ميدانية، ايران جزء اساسي منها.
ما قد يرجح المسار الاول، ان الثاني ليس خلطة مغمسة بالدم السوري ووصفة خطرة للمنطقة وجوارها وحسب، بل انه انتظار على الجمر لمفاجأة ليس أكيداً ان المصالح الكبرى تتحملها. تفجير ارهابي في عاصمة اوروبية او مدينة اميركية، انهيار مفاجئ للنظام، تقدم غير محسوب لـ «داعش» باتجاه دمشق او نحو حمص وقطع الطريق بين دمشق والساحل. ما يرجح الخيار الاول، ان الموقع الجغرافي لسورية يجعل الانتظار أمراً مكلفاً ويجعل ترك ثلثي سورية للفوضى والتطرف وتمدد «داعش» جغرافياً وأيديولوجياً أمراً يهدد عمق المصالح الغربية ويحول في شكل دائم دون نجاح الحملة لهزيمة التنظيم في العراق.
عواطف اللاعبين حارة الآن. بعض مسؤولي النظام يعتقد انه انتصر و«الوقت لمصلحتنا» وهو ينتظر ان «يأتوا تباعاً إلينا». بعض المعارضين قلق و»خائف ان يكون الاتفاق النووي على حساب دماء شعبنا». بعض الدول الاقليمية يحذر من «فجور» السلوك الايراني المقبل.
هي تريد ان تكون «الوريث» الاقليمي لاميركا والافادة من خطة اوباما الانسحاب من المنطقة. تفويض ايران دور «الشريك» سيصطدم بعد حين بعاملي الجغرافيا والديموغرافيا اللذين لا يسمحان لطهران بأكثر من «دور» يعتمد استمراره على شرعية باقي اللاعبين في الاقليم والمكونات الطائفية. إن استمرارية دور ايران، مرهونة بسلوكها والطريق الذي ستختاره على مفترق الطريق السوري: دمشق – بيروت ام دمشق – حلب.