هكذا أقرّ وزير العمل الإيراني محمد شريعتمداري، بأن بلاده كانت على حافة انهيار مالي قبل أشهر، مع تكثيف إيرانيين انتقاداتهم لمسؤولين ينعمون بحياة بذخ، فيما يعاني مواطنون ضائقة معيشية. وتطرّق شريعتمداري إلى انتقادات طاولت سياسات الحكومة لمواجهة انهيار الريال، لاسيّما بعد انسحاب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي المُبرم عام 2015، وإعادتها فرض عقوبات مشددة على طهران. وسبق أن عيّن روحاني شريعتمداري وزيراً للعمل، بعد استقالته من منصبه وزيراً للصناعة والمناجم والتجارة. ذلك للحفاظ على قيمة الريال، وإن كانت ليست آلية اقتصادية فحسب، بل هو أيضاً دفاع عن الهوية الوطنية؛ مع التشديد على ضرورة منع خروج الرساميل تحت غطاء الصادرات. هنا رأى رئيس البرلمان الإيراني لاريجاني وجوب الاعتماد على الديبلوماسية، إلى جانب الاستفادة القصوى من الطاقات المحلية، لزيادة الإنتاج وتنمية الصادرات، لمواجهة العقوبات الأميركية. واعتبر أن الولايات المتحدة لم تنجح في ضغوطها وفشلت في محاولاتها لزعزعة الوضع في إيران وتصفير مبيعاتها من النفط. باريس دائماً على الخط، ففي السياق ذاته، أوردت صحيفة «فايننشال تايمز» أن فرنسا تتعهد قيادة أوروبا في تحدي العقوبات الأميركية، فيما أسِفت المفوّضية الأوروبية لقرار خدمة «سويفت» للتراسل المالي (مقرّها بروكسيل) مقاطعة مصارف إيرانية، مبرّرة الأمر بـ «مصلحة الاستقرار وسلامة النظام المالي الدولي».
بداية القادم الإيراني المجهول، جاءت عندما سحب مجلس الشورى الإيراني الثقة من وزير الشؤون الاقتصادية والمالية (مسعود كرباسيان) يوم 26 آب (أغسطس)، في ضربة جديدة للحكومة التي تكافح لمواجهة أزمة اقتصادية خانقة. وخسر (كرباسيان) تصويت الثقة الذي تم بثه مباشرة عبر الإذاعة الرسمية بـ (137 صوتاً) في مقابل (121) وامتنع نائبان عن التصويت، ما يجعله ثاني وزير في حكومة روحاني يتم عزله خلال شهر آب (أغسطس). وسبق أن تمت إقالة أحمد عراقجي، معاون البنك المركزي الإيراني لشؤون العملات الأجنبية مع بداية آب (أغسطس) الماضي. كذلك جاء عبد الناصر همتي، الذي تم تعيينه بدلاً من ولي الله سيف الذي أقيل من منصبه عقب انهيار تاريخي للريال. وهذه التغييرات جاءت في محاولة من الحكومة لوقف مسلسل انهيار الريال مقابل الدولار، حيث خسر 20 في المئة من قيمته منذ تموز (يوليو) الماضي، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار والتضخم ووقف عمليات البيع والشراء. ويحدث ذلك بينما تستمر الاحتجاجات الشعبية في مختلف أنحاء إيران.
بينما الريال في طريقه السابق وثورات الخبز على الأبواب، سبق أن وافق المرشد الايراني علي خامنئي، على السماح لطهران بالتفاوض على انقاذ الاتفاق النووي بعد الانسحاب الأميركي منه، لكنه طالب بـضمانات جدية لبقاء بلاده فيه. حيث سبق وأعلن روحاني أن وزير خارجيته جواد ظريف سيجري مفاوضات مع الدول الخمس الأخرى الموقعة على الاتفاق (ألمانيا والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا) لمعرفة ما إذا كان يمكن انقاذه. وجاء رد فعل روحاني كالتالي: «علينا أن ننتظر لنرى ما الذي ستفعله الدول الخمس الكبرى. لقد أصدرتُ تعليماتي إلى وزارة الخارجية لإجراء مفاوضات مع الدول الأوروبية والصين وروسيا. وإذا وجدنا في النهاية، أنه عبر التعاون مع هذه الدول الخمس يمكن ضمان مصالح الشعب الإيراني رغم ما تفعله الولايات المتحدة والنظام الصهيوني، عندها سيبقى الاتفاق النووي سارياً وسيكون بمقدورنا العمل في سبيل السلام والأمن في المنطقة والعالم».
نعم؛ الموقف لم يكن أميركياً إيرانياً فقط، فقد حضرت باريس بقوة حين حضَّ ماكرون نظيره الإيراني في اتصال هاتفي على احترام الاتفاق النووي الموقع في 2015 في شكل كامل على رغم قرار الولايات المتحدة الانسحاب منه. وإن اتفق الرئيسان على مواصلة العمل مع الدول المعنية لضمان الاستمرار في تنفيذ الاتفاق النووي وحفظ الاستقرار الإقليمي. وقد تكون رغبة من فرنسا في الحفاظ على الاتفاق النووي. كذلك فبوتين في وسط هذه المستجدات، دخل الحلبة ليعرب عن قلقه البالغ حيال الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي.
بينما الصراع النووي في طريقه، على التوازي مع صراع الخبز، ففي محاولة لتهدئة غضب المواطنين المحتجين ضد الغلاء والتضخم وانهيار الريال وتدهور الأوضاع المعيشية، قال جهانغيري إن «السلع الأساسية التي يحتاجها الشعب ستيم توفيرها حسب السعر المعلن رسمياً من قبل البنك المركزي، وإن الأجهزة التنفيذية سيكون لها إشراف كافٍ في مختلف المراحل». وأضاف أنه «سيتم تعيين تسهيلات للناشطين الاقتصاديين في مجال الصادرات والواردات، وجميع الذين يحتاجون إلى العملة الأجنبية للقيام بالأعمال الضرورية، ليتمكنوا من الحصول على احتياجاتهم من السوق، والقيام بعملهم بسهولة أكبر والعمل بسرعة أكبر».
يقيناً يبقى من المبكر التكهن بالمسارات التي سوف يتخذها رد الفعل الإيراني الداخلي حول انهيار الريال، ولأن «من يعطِ الخبز يعطِ الشرعية». فيبقى أن ما بدأ في ٢٨ كانون الأول (ديسمبر) 2017، سيستمر شهوراً أو سنوات قبل إحداث تغيير متكامل، إنما مسيرة التغيير بدأت وتُحفّزها عوامل داخلية وإقليمية عدة، فلم يعد المواطن الإيراني يكتفي بالبقاء على الهامش تكنولوجياً واقتصادياً واجتماعياً في بلاد غنية بثرواتها وتاريخها وحضارتها، فيما محيطه العربي والآسيوي –على سبيل المثال- يستضيف شركات «غوغل» و»مايكروسوفت» و»آبل» وغيرها من القطاعات الرائدة تكنولوجياً. وهنا لا بد أن تأتي الثورات ليس طلباً للخبز فقط، ولكن على من تسسب في إدارة سيئة للمشهد، وتسبب في زرع جناح إيراني مع كل محاور الشر في المنطقة، ليحصد الشعب كل هذه الكلفة، ويُتوج الأمر بفشل اقتصادي زريع.
الحقيقة أن الأغلب على الظن أن بيع النفط سيصبح عملية معقدة وعسيرة وتقاضي ثمن البيع أكثر صعوبة. واستثمرت كثير من الشركات، من قطاع الطاقة إلى قطاع السيارات، في طهران، ولكنها اليوم تغادر. ويرجح أن تهرب الاستثمارات الأجنبية الجديدة، وأن تقوض العقوبات الاقتصاد الإيراني وأن تنزل به الآلام. وسيواجه الاقتصاد الإيراني منذ اليوم عثرات ومصاعب. يظهر ذلك عندما التقى المرشد علي خامنئي بروحاني ووزارئه، وحثهم على الثبات والصمود. ويرجح أن يقيل روحاني عدداً من وزرائه، إثر هبوط سعر العملة وسياسات تجارية غير ناجعة. وهذا ما بدأ بالفعل مع تعيين الرئيس حاكماً جديداً للبنك المركزي.
إيران تعتمد عملتين بسعرين مختلفين، الأولى للسلع الخاصة والمواد الخام والسلع الضرورية التي يحتاجها الشعب، والثانية للبضائع الأخرى، وسعر العملتين يختلف عن سعر العملة في السوق الحرة. هنا يظل الاقتصاد الإيراني يعاني بالفعل من تدهور وسط تراجع حاد في قيمة الريال. وخطوة الاقالات هذه هي الأحدث في تغييرات متواصلة على مستوى القيادات الاقتصادية، بينما تعيد الولايات المتحدة فرض عقوبات على إيران بسبب برنامجه االنووي وقضايا أخرى. قد تكون هي القشة التي قد تقسم ظهر البعير في جمهورية الملالي، والشاه المعمم، فالقادم مجهول، وقد يأتي فجأة، وإن تأخر.