تشاء الصدف أو ربما الخطط، ان يتزامن رفع العقوبات الغربية على ايران، مع التوتر الشديد في العلاقات الخليجية بل العربية الايرانية، بحيث ان الفرصة الاقتصادية التي كان يمكن اقتناصها من قبل اللبنانيين للافادة من انفتاح السوق الايراني على العالم تدنّت اليوم لتقارب الصفر في المائة.
شكّل اعلان بدء تنفيذ رفع العقوبات الغربية عن ايران الحدث العالمي الابرز في الساعات الاربع والعشرين الماضية. ولا شك ان وقع الخبر كان أقوى في المنطقة العربية من أي مكان آخر في العالم، ذلك أن انعكاسات هذا التطور، السلبية منها والايجابية، سيتم تظهيرها في المنطقة.
ومع توقيع وزير الخارجية الاميركي جون كيري وثيقة رفع عقوبات اقتصادية تتعلق بالمصارف والشحن والتأمين، تكون ايران الممنوعة من الولوج الى النظام المصرفي العالمي قد عادت فعليا منذ امس.
هل تعني هذه العودة لبنان واقتصاده على المستويين الخاص والعام؟ وما هي الفرص المتاحة للافادة من الوضع الجديد في المرحلة المقبلة؟
هناك فارق في الحسابات الاقتصادية على المدى القصير، المتوسط والطويل. ويمكن الحكم بسهولة اكثر على الوضع على المدى القصير لأنه يرتبط بالمعطيات المتوفرة حاليا، والتي يمكن البناء عليها للخروج باستنتاجات شبه مؤكدة.
في المبدأ، يستطيع لبنان الرسمي والخاص ان يستفيد من انتهاء عزلة ايران الدولية، وانفتاح اسواقها في كل الاتجاهات، خصوصا انها بلد ناشئ، يخرج من فترة حصار طويل، لكن هناك معوقات سوف تفرمل هذه الافادة يمكن اختصارها بنقطتين:
اولا – العلاقات الخليجية – الايرانية التي شهدت في الايام القليلة الماضية تصعيدا حادا أدى الى قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين مجموعة من الدول العربية وايران. كذلك فان الموقف العربي الموحّد – المخروق لبنانياً وعراقياً – ضد ايران دفع التوتّر في العلاقات الى مستويات قياسية. واللافت ان هذا التصعيد لم يصل الى سقفه بعد، وقد تكون هناك خطوات اضافية تزيد في منسوب الخلافات والقطيعة.
ثانيا – تراجع اسعار النفط الى مستويات قياسية، واحتمال استمرار هذا التراجع بما سيؤدي حكما الى استمرار الصعوبات في الاقتصاد الايراني الذي يعاني من تأثيرات الحصار عليه.
في موضوع العلاقات الخليجية الايرانية، سوف يتأثر القطاع الخاص اكثر من القطاع الرسمي، على اعتبار ان مصالح القسم الاكبر من المستثمرين اللبنانيين ترتبط بدول الخليج، ومن المستحيل اذا اضطر هؤلاء الى المفاضلة، ان يختاروا السوق الايراني ويتخلوا عن السوق الخليجي.
أما على مستوى الاقتصاد الرسمي، فان الدولة اللبنانية تستطيع ان تستفيد من بعض ما يوفره رفع العقوبات الدولية عن ايران، على اعتبار ان تلقي مساعدات اقتصادية من ايران، عن طريق تنفيذ مشاريع حيوية في البنية التحتية لن يؤدي الى قطيعة رسمية مع الدول العربية.
خصوصا ان هناك تفهما عربيا وخليجيا لخصوصية الوضع اللبناني. واذا كان الخروج عن الموقف العربي الموحد في اجتماع وزراء الخارجية العرب، لم يدفع الدول، سيما الخليجية منها الى معاقبة لبنان، فهذا يعني ان بيروت تملك مساحة معينة من حرية المناورة والسير في منطقة وسطية في هذا الصراع المستعر، من دون أن تدفع الثمن اقتصاديا.
تبقى المشكلة الثانية، المرتبطة بتراجع اسعار النفط، اذ ان نزول البرميل عن عتبة الثلاثين دولارا، واحتمال استمرار تراجعه الى عشرين دولارا يؤدي الى خربطة كل الحسابات الاقتصادية الاقليمية. واذا كانت السعودية نفسها، وهي الاقوى، سوف تعاني من أزمة مالية صعبة، فان ايران سوف تواجه صعوبات مضاعفة رغم ان اقتصادها يعتمد على النفط بنسبة اقل من المملكة.
وبالتالي، ما كان يتردد عن مئات مليارات الدولارات التي سوف يشهدها نمو السوق الايرانية بعد رفع العقوبات اصبح ضربا من الخيال. ومع احتساب المصاريف التي تدفعها الدولة الايرانية لتمويل نفوذها السياسي والعسكري في المنطقة، ومع احتساب ترجيح اضطرارها الى زيادة حجم هذه المساعدات بسبب التضييق الاميركي على تمويل أذرع ايران وفي مقدمها حزب الله، ستكون النتيجة مخيبة للآمال، والاستنتاج الوحيد المنطقي الذي يمكن الخروج به، هو ان كل اقتصاديات دول المنطقة تتجه الى أزمات ولو بنسب متفاوتة. ومن الوهم الاعتقاد ان لبنان سيكون في منأى عن هذه الأزمة الشمولية.
من هنا، لا بد من خطة اقتصادية تأخذ في الاعتبار التطورات على المدى القصير وربما المتوسط، لخفض التداعيات السلبية على بلد اصبح اكثر من ثلث سكانه من النازحين. مع الاشارة، الى ان الوضع على المدى الطويل قد يتبدّل، لكن الى حينه، لا يمكن رسم خطط او ابتداع احلام قد تتحقق وقد لا تتحقق أبدا.