تحولت «الدولة» الإيرانية، بعد انتصار الخمينية، إلى «دولة» قائدة لسيرورة الانبعاث الهويّاتي في المشرق العربي، فتحولت سياسات الهوية التي اتخذتها، طوال العقود الماضية، إلى أحد مصادر تفكيك المجتمعات والدول المشرقية، بينما كان الصراخ الأيديولوجي يحمّل تلك البلايا للإمبريالية والصهيونية العالميتين.
قبل أن تنبت لإيران أنياب نووية، كانت أنيابها الهوويّة تفتك بأجساد «المجتمعات» العربية، مما يجعل المسار التاريخي المعقد في بلادنا والذي يهدف إلى تصفية عناصر الحروب الداخلية وبناء دولها الوطنية، يقتضي من جملة ما يقتضيه تفكيك القنابل الهووية التي تعشقّت معها سياسات الهوية الإيرانية. وهذا يفرض أهمية الذهاب في اتجاهين: الأول، عدم انجرار دول المنطقة (في حال تمكنت إيران من امتلاك برنامج نووي غير سلمي)، إلى سباق تسلح جديد. فقد أثبتت تجارب العسكرة السورية والليبية والعراقية (في عهدي صدام والمالكي)، أن اتحاد النزعة العسكريتارية مع النزعات ما دون الأمّوية (من أمّة) في كيانات لم تبلور دولها الوطنية / القومية هو وبال على تلك الشعوب. وذاك يفرض إعادة النظر بتجربة الجيوش والتسلح في البلدان المتأخرة، فشعوب المنطقة تحتاج إلى الخروج من أوضاع الحروب والصراعات الأهلية والإقليمية، والدخول في آفاق السلام والتنمية والبناء الوطني.
الاتجاه الثاني، نزع أنياب إيران الهوويّة يستوجب نفي سياسات الهوية المضادة في البيئة السنية، وتبني سياسات ذات استراتيجيات وطنية في بلدان المشرق العربي من قبل مختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والإعلاميين، تهدف في المآل الأخير إلى إلغاء التعدد الهويّاتي سياسياً، ونقل العلاقات بين مكوناته من صيغتها الأهلية إلى الصيغة المدنية الحديثة. كما أن نزع الأنياب الإيرانية الهوويّة، يملي على دول الخليج، وبخاصة المملكة العربية السعودية، ضرورة تقليص الفجوة الواسعة والعميقة المتأتية من الانشطار القائم بين البنية المالية والعمرانية والتجارية والبنية الأيديولوجية – السياسية، حيث تتأسس في هذه الفجوة معظم عناصر سياسات الهوية المضادة التي تخدم النزعة الإمبراطورية والتوسعية الإيرانية.
فقد شكّل الانقسام السني – الشيعي ركيزة سياسات الهوية الإيرانية، وجعلها تستثمر في ظواهر التشظي المجتمعي الناجمة عنه، وهذا الاستثمار يقبع في خلفية منطق كسر الإرادات الذي تمارسه إيران تجاه الأكثرية السنية في المشرق العربي، إضافة «لانتفاخها» المتأتي عن برنامجها النووي وقوتها العسكرية. لذا، فإن التصدي لمشروع إيران الإمبراطوري المتمدد على حساب وحدة الكيانات الوطنية المشرقية وتنميتها ومستقبل شعوبها، ينطلق من ضرورة إصلاح الفقهين السني والشيعي اللذين بات إصلاحهما من شروط انتماء العرب والمسلمين إلى الجماعة الإنسانية، ويبدأ من الثقافة والسياسة والاجتماع بوضع خطط الانتقال من حالة الرعية المذهبية إلى وضعية المجتمع والأفراد الأحرار. من غير تغيير عميق كهذا في الذهنية والممارسة، سيظل المشرق العربي موضوعاً لإرادة إيران الهوويّة، أو لإرادة أي قوة هوويّة غازية أخرى.
* كاتب سوري