منذ الاعلان عن بدء العمل لتطبيع العلاقة الأميركية – الكوبية بعد خمسة عقود من القطيعة الديبلوماسية والاقتصادية، لم تهدأ التأويلات والتحليلات التي تقارن النموذج الكوبي بالإيراني واحتمال أن يلحق المرشد الأعلى علي خامنئي بنظام كاسترو ويشرع أبواب طهران أمام واشنطن. الاحتمال ولو انه قائم في حال تم التوصل الى اتفاق نووي، الا أنه يصطدم بعائقين: أولاً ان هافانا ليست طهران، والشرق الأوسط ليس أميركا اللاتينية.
الاختراق الديبلوماسي الذي أعلنه الرئيس الأميركي باراك أوباما في 17 الشهر الماضي باستئناف العلاقات الديبلوماسية مع كوبا والاستعداد لتبادل سفارات بين واشنطن وهافانا هو حصيلة عمل خمس سنوات من الديبلوماسية السرية، وتكثيفها في الأشهر الستة الفائتة باجتماعات في كندا وايطاليا للمسؤولين الكوبيين والأميركيين ووساطة مباشرة من البابا فرنسيس. استئناف العلاقة بعد 55 عاما من القطيعة يمنح باراك أوباما فرصة الرئيس السابق ريتشارد نيكسون الذي طبع العلاقات مع الصين وزارها في 1972.
التجربة الكوبية ولو أنها تلتقي مع طهران لناحية العداء الطويل مع الولايات المتحدة واصطفاف البلدين في معسكر معارض للولايات المتحدة ونية أوباما إصلاحها، فان استنساخها مع ايران يواجه تحديات ومفارقات سياسية واقتصادية عدة. فبالدرجة الأولى، لم يصل العداء الأميركي – الكوبي حتى في أسوأ مراحله خلال الحرب الباردة الى مستوى التشنج السائد بين ايران والولايات المتحدة. وباستثناء عملية غزو خليج الخنازير التي تواطأت فيها الاستخبارات الأميركية مع معارضي نظام كاسترو في المنفى، ليس هناك اتهامات بين الجانبين بالوقوف وراء عمليات ارهابية ضد المصالح الأميركية أو أخرى تستهدف حلفاء واشنطن. في المقابل يمثل النظام الإيراني ومنذ أزمة الرهائن في 1979 وبعده تفجير المارينز في 1983 والمشتبه بوقوف مجموعات على صلة بطهران وراءه، الى عدائه المطلق مع اسرائيل وتورطه أيضا في هجمات ضد الجيش الأميركي في العراق قبل الانسحاب في 2011، نموذجا أكثر استعصاء وتحجرا أمام الولايات المتحدة.
ولمح أوباما في مقابلته الأخيرة مع الاذاعة الوطنية الى هذا الامر وقال ان ايران “دولة كبيرة ومعقدة ولديها سجل في دعم الارهاب ونعرف أنها تحاول تطوير سلاح نووي… وانخرطت في زعزعة حلفائنا وخطابها معاد لاميركا ومحرض ضد اسرائيل”. هذه المواصفات لا ينطبق أي منها على كوبا. فالحرب الباردة التي فرقت الجارين، ذهبت الى غير رجعة، كما ان هافانا ليست بصدد تطوير سلاح نووي ولا صواريخ باليستية، أما علاقتها بدول أميركا اللاتينية فهي على عكس علاقات ايران في المنطقة، أكثر من طبيعية. اذ وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، انفتح كاسترو على الجوار اللاتيني أبعد من فنزويلا، ورد هؤلاء بدعوة كوبا الى مؤتمرات لاتينية عدة، فيما لم تنخرط ايران في مؤتمرات اقليمية، وهي غارقة في حروب بالوكالة من سورية الى العراق الى اليمن. ويأتي العداء لاميركا في صلب تماسك النظام الإيراني والطبقة المحافظة، أما الخطاب الكوبي المتمسك بمبادئ الشيوعية، فلا مانع أمامه بالانفتاح على السوق الأميركي والرأسمالية كما انفتحت الصين “الشيوعية” أيضا على السوق الحرة.
لن تنكفئ الادارة الأميركية في السعي الى اتفاق نووي مع ايران، وهي مستعدة لتقديم تنازلات والوصول الى التطبيع في حال غيرت طهران موقفها بشكل جذري في الملف النووي وفي سياستها الاقليمية، وهنا تكمن المعضلة. فالمفاوضات مع ايران والرسائل الأربعة من أوباما الى خامنئي لم تفض حتى الى ورقة عمل ثنائية. في المقابل مهدت رسالة من البابا فرنسيس الى راؤول كاسترو، ولقاءان في أوتاوا، الى تطبيع بين الجانبين قد يجبر أوباما الذي أقلع عن التدخين الى استئنافه بسيجار كوبي في هافانا قبل نهاية 2016.