IMLebanon

ايران أول من غيّر …  قواعد الاشتباك إقليمياً ودولياً

المكانة الدولية لكل دولة من دول المنطقة تقاس بمدى نفوذها الاقليمي بمعيار قوتها المزدوجة: الناعمة والخشنة. وكان النفط من العوامل المؤثرة في المعادلات السائدة في العصر الحديث، وتبعه في زمن لاحق عامل آخر لا يقل عنه تأثيراً هو الارهاب. وتعاقبت دول المنطقة تباعاً على مرتبة الصدارة لحقبة من الزمن، ثم تراجعت للمصلحة دولة أخرى تبعاً للعوامل المستجدة. وكلما طرأ تغيير في مكان ما، ترك ذلك أثره على مجمل التوازنات في المنطقة…

***

ظلت اسرائيل تتصدر المكانة الأولى في المنطقة على مدى عقود، ليس فقط نتيجة لتفوقها العسكري على الجيوش الاقليمية الأخرى، وانما وبالدرجة الأولى نتيجة للدعم الأميركي المفتوح على كل صعيد للدولة العبرية، وما يستتبعه من دعم غربي قوي في الاتجاه نفسه. ولم تهتز تلك المكانة الا مع ظهور زعامة عبد الناصر التي استنهضت المشاعر القومية للشعوب العربية، وحجزت لمصر مكانة دولية في كتلة عدم الانحياز. ولم تتراجع مكانة مصر في المنطقة والعالم الا بعد انغلاقها على نفسها مع الصلح المنفرد مع اسرائيل في عهد السادات، ثم في عقود التبعية الثلاثة في عهد محمد حسني مبارك…

***

احتفظت المملكة العربية السعودية بمكانة ثابتة في العالم الاسلامي، وكذلك على الصعيد الدولي بتحالفها الراسخ مع الولايات المتحدة الأميركية، والغرب عموماً. وتفاوتت مكانتها في المنطقة العربية تبعاً للظروف، ولطبيعة القيادة فيها. صحيح أن الثوابت السعودية راسخة، ولكن الهوامش كانت واسعة أمام كل ملك من الملوك الذين تعاقبوا على قيادتها. والأنظار تتجه اليوم الى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وللأسلوب الذي سيتبعه في عهده، لا سيما وان كل عهد ملكي لم يكن نسخة عن العهد الذي سبقه…

***

قفزت تركيا الى موقع في صدارة المنطقة عندما تولى القيادة حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الاسلامي، عندما كان يرفع شعار صفر مشاكل، وتمدد النفوذ التركي الاقتصادي والسياسي في معظم العواصم العربية. وانحسر هذا النفوذ بسرعة بعد أن برزت نزعة امبراطورية عثمانية مغلفة بغطاء اسلامي اخواني. وأفسحت بذلك في المجال واسعاً أمام الانتشار الايراني. وكانت ايران أول من غيّر قواعد الاشتباك في المنطقة، وعلى صعيد سياستها الدولية. وفي الاقليم شددت قبضتها الأمنية والعسكرية، في حين انها اتبعت سياسة مرنة في تعاملها مع الغرب، وكانت ذروته مفاوضات طهران حول ملفها النووي مع الخمسة زائد واحد، وضمناً وأساساً مع أميركا…

***

ما يبدو في الأفق المنظور هو أن المنطقة تنتقل من مرحلة انتقالية الى مرحلة انتقالية أخرى، في السياسة بمنطق التحالفات القائمة والمستجدة، وفي الاقتصاد بمنطق استراتيجية أسعار النفط، وفي الأمن بمنطق مستقبل الارهاب في المنطقة والعالم… وهذا يعني أنه لا يزال من المبكر النظر الى النهايات المأمولة للأزمات!