IMLebanon

إيران تعمل جاهدة لحمل أميركا على تلميع صورتها خليجيًا

كاتبة صحافيّة ومحللة سياسية لبنانيّة.

القناع الذي يضعه الرئيس الإيراني حسن روحاني وهو يتحدث إلى الغرب، يخفي تحته صراعًا على السلطة داخل إيران، فهو منذ أصبح رئيسًا في أغسطس (آب) 2013 منشغل وحكومته في صراع مع «الحرس الثوري» حول من له القرار الأخير في قضايا كثيرة أبرزها:

– الاختلافات في وجهات النظر والأسلوب بشأن تورط إيران في الشرق الأوسط.

– السيطرة والميزانيات والنفوذ.

فالآيديولوجيا التي يطرحها روحاني تمثل نهجًا أكثر اعتدالاً بالنسبة إلى كل القضايا الداخلية والخارجية، في وقت يمثل فيه «الحرس الثوري» المؤسسة المحافظة التي تدفع إلى تصدير الثورة بأي ثمن وبتحدٍ غير محدود.

خلال السنة الأولى من ولايته، أقدم روحاني على خطوة لتهميش «الحرس الثوري» في مواقع السلطة والنفوذ داخل النظام السياسي والمالي الإيراني، ونجح في إبعاد واستبدال ممثلي الحرس من بعض المراكز المالية الرئيسية ومن السلطات المحلية، لكن بشكل عام كان لتحركه نجاح محدود. وهذا لم يمنع روحاني من أن ينتقد وباستمرار مستوى تدخل «الحرس الثوري» في السياسة والمال، وأدلى بتصريحات علنية ضد تحكم الحرس بقوة عسكرية ومالية واسعة وهذا بحسب رأيه العلني ممارسة للفساد.

في شهر أغسطس الماضي اتهم روحاني «الحرس الثوري» بالتورط السياسي، ومحاولة التأثير على السلطات المسؤولة عن التدقيق في قائمة المرشحين لانتخابات مجلس الشورى (بينهم حفيد الخميني) المقرر إجراؤها في شهر فبراير (شباط) من عام 2016. وحدثت «مناكفة» في الكلمات بينه وبين قائد «الحرس الثوري» اللواء محمد علي جعفري، بعدما انتقد روحاني وبشكل صارخ دور مجلس صيانة الدستور في اختيار المرشحين، فما كان من جعفري إلا أن انتقد بدوره تصريحات روحاني وروحاني نفسه، بطريقة عكست الصراع الآيديولوجي بينهما، وكذلك النظرة التي يراها الحرس لمؤسسته كممثل ومدافع عن النظام ضد روحاني ورفاقه. صراع آخر مستمر بين الطرفين له صلة بالمخصصات المالية والأولويات الوطنية. «فيلق القدس» بقيادة اللواء قاسم سليماني يحاول جمع الأموال من الدولة من أجل دعم حلفاء إيران في سوريا، و«حزب الله» في لبنان، وميليشيا «الحوثي» في اليمن، وغيرها من البلدان.

من ناحيته يحاول روحاني وحكومته استثمار الموارد لتحسين وضع إيران الاقتصادي أولاً، ويود بالتالي تخفيض الدعم الذي يتلقاه الحلفاء.

لكن من ناحية أخرى يتعاون روحاني وسليماني في بعض الأحيان لتحقيق أهداف مشتركة. وعلى سبيل المثال نرى العام الماضي أن «فيلق القدس» بقيادة سليماني ووزارة الخارجية الإيرانية بإدارة وزيرها محمد جواد ظريف وبموافقة روحاني، عملا معًا على تكامل الجهود في المنطقة في محاولة لزيادة نفوذ إيران؛ إذ بينما يوفر سليماني وفريقه الأسلحة والدعم اللوجستي والتدريب العسكري لـ«الحوثيين» للقتال في اليمن، يعمل ظريف على إيجاد حل دبلوماسي لإنهاء القتال، يشمل ضم «الحوثيين» إلى الحكومة التي سيتم تشكيلها في صنعاء، وبهذه الطريقة يحافظ الإيرانيون على نفوذهم داخل الحكومة الجديدة وعلى عموم اليمن.

هناك أسلوب آخر من التعاون يجري اعتماده في دول أخرى مثل سوريا؛ إذ بينما قوات «فيلق القدس» ومقاتلو «حزب الله» غارقون حتى أعناقهم في الحرب التي تعصف بسوريا، نرى أن ظريف يبذل جهودًا دبلوماسية لإيجاد تسوية سياسية تمكن إيران من المحافظة على نفوذها في سوريا حتى بعد انتهاء الحرب، ويُشرك كبار مسؤولي الوزارة في هذه الجهود.

لذلك، وتبعًا للتوقعات بأن الاتفاق النووي الإيراني مع القوى العظمى ستتم الموافقة عليه، وستليه أرباح مالية لإيران، فإن الميزانية المخصصة لـ«فيلق القدس» وتقديم الدعم لحلفاء إيران في المنطقة وأبرزهم «حزب الله»، من المتوقع أن تنمو في السنوات المقبلة، وسيجد روحاني صعوبة في إيقاف تحويل الأموال إلى «فيلق القدس» بادعاء قلة الموارد المالية.

وكنا لاحظنا مثلاً تصريحات قياديي «حزب الله» في لبنان ومؤيديه الذين يصرون على القول إن ما قبل الاتفاق النووي يختلف عما بعده، نظرًا للأموال التي ستتدفق بعد رفع الحصار، إلى درجة أن أحد نواب «حزب الله» أخذه الولاء لإيران فأقدم على «تحوير» ما يرمز إليه العلم اللبناني، حيث قال يوم السبت الماضي 19 من الشهر الحالي: «إن الخطين الأحمرين على العلم اللبناني هما من دماء مجاهدي المقاومة، ولولا ذلك لما كان لأرزة أن تخفق».

وينسحب الأمر أيضًا على جهود «أيرنة» العراق، إذ بثت ميليشيا «سرايا الخورساني» أخيرًا، شريطًا مصورًا عن مخيم تدريب جديد يحمل اسم «مركز تدريب الحاج حميد تقوي» وهو كان لواءً في «فيلق القدس» واغتاله قناص من «داعش» العام الماضي، وقبل مقتله كان المستشار العسكري لـ«سرايا الخورساني».

من أول أهداف إيران بدعمها الميليشيات والتنظيمات في الدول العربية عبر «فيلق القدس»، شق الصف العربي. وهناك أمور كثيرة تساعد على استقرار المنطقة تواجهها إيران لأن رغبتها في تحقيق الإمبراطورية الشيعية تعتمد على عدم الاستقرار.

من جهة أخرى كان أكثرَ المرحبين بالاتفاق النووي مقررو السياسة الخارجية الإيرانية، إذ رأوا فيه تقوية لدور إيران الإقليمي، كما رأوا أن تقلص الاهتمام الأميركي بالشرق الأوسط وصراعاته المتعددة، يفتح المجال أمام إيران للعب دور قيادي في المنطقة.

كيهان برزيغار مدير «مؤسسة الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية» في طهران قال إن الاتفاق النووي هو نقطة تحول، وألا يكون للولايات المتحدة سياسة في الشرق الأوسط بنظرنا «سياسة جيدة»، ثم أوضح أن هدف إيران من التعاون الإقليمي هو التخلص من الوجود الأميركي أكبر قوة عسكرية في المنطقة، وهي الوحيدة القادرة على إيذاء إيران.

تعرف إيران أن هناك مصالح لغير أميركا في المنطقة، هناك روسيا وهناك الصين أيضا، لذلك فهي لها تطلع آخر، كشف عنه سيد جلال ساداتيان السفير الإيراني السابق في لندن بقوله: «إن أميركا تبحث عن حليف إقليمي قوي يكون شرطي المنطقة، وإيران تُعتبر الشريك الجيد المحتمل لأميركا في المستقبل».

هناك سباق، في ظل الصراعات الداخلية لتقديم صورة «إيران المفيدة» لأميركا كي تقتنع أن «مصلحتها وراحتها» تكمنان وإيران إلى جانبها، إنما، وكما يقول برزيغار: المفتاح لمثل هذا التغيير هو بـ«الضغط» على دول الخليج الحليفة لأميركا، وبالتالي من مسؤوليتها أن تقنع المملكة العربية السعودية بأن إيران لا تشكل خطرًا عليها. و«يجب» على أميركا أن تغير هذه الصورة. أما داود هرميداس باوند الدبلوماسي الإيراني المتقاعد فقال: «عندما تكون علاقاتنا جيدة مع أميركا فإن جيراننا من الدول سيحاولون كسب ود إيران».

وكي لا تبدو إيران تهرول للعلاقة مع أميركا، بث المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي على «يوتيوب» فيلمًا بعنوان «إذا ما وقعت الحرب»، يبدأ بالرئيس الأميركي باراك أوباما وهو يقول إن الولايات المتحدة تستطيع أن تطيح إيران عسكريًا إذا ما قررت ذلك، فيرد خامنئي، ترافقه صور الترسانة العسكرية الإيرانية، وأمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله، وقوافل متحركة لصواريخ إيرانية تستهدف القوات الأميركية في أفغانستان قائلاً: «عليهم أن يعرفوا، إذا ما وقعت الحرب، من سيخرج مهانًا، إنها المجرمة أميركا»، وينتهي الفيديو بصور لجنود أميركيين يحملون تابوتًا ملفوفًا بالعلم الأميركي.

لا بد لخامنئي أن يقول هذا، لأنه بتصور الجميع صاحب الكلمة الأخيرة، وهو يستفيد من الصراع الداخلي كونه يعطي الضوء الأخضر للطرفين: روحاني وحكومته، و«الحرس الثوري» وفيلقه. أما الصراع بينهما فحول من سيسبق الآخر في تحقيق الطموحات الإيرانية. إن الصراع الآيديولوجي بين الفريقين، حول السلطة والنفوذ سيتوضح قبل انتخابات مجلسي الشورى والخبراء في فبراير 2016 وسيستمر ويتوضح أكثر وأكثر قبل الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2017. لكن الأهداف تبقى واحدة: السيطرة المطلقة على المنطقة، ولهذا السبب، لا حلول سلمية بل احتمال اشتعال حروب أخرى، وبالتالي لا يمكن أن تأكل النار كل غرف المنزل باستثناء غرفة واحدة!