IMLebanon

تحدّيات الحرب الإيرانية – الإسرائيلية في ظلِّ غياب القرار اللبناني

 

إنّ تحديات الحرب الإيرانية – الإسرائيلية على الأرض اللبنانية أمر في غاية الخطورة، وتراكماتها العسكرية في لبنان ستؤدي حتماً إلى تعميق الخلافات بين المكوّنات اللبنانية التي بأغلبيتها رافضة لهذه الحرب والتي تعيق النهضة الوطنية للشعب اللبناني الرزاح تحت وطأة أزمة اقتصادية – مالية – إجتماعية، أحـد أسبابها التدخّل الإيراني في الشؤون الداخلية اللبنانية وتغذية مجموعة من الإخوة الشيعة بمنظومة سياسية هم بغنى عن تحمّل وزرها ولا بُد من النظر لتبعاتها على هذه المجموعة وعلى كل اللبنانيين مسيحيين ومُسلمين.

تحديات الحرب الإيرانية – الإسرائيلية لها العديد من التجليّات وهذه الأزمة بدورها في تحليلها المنطقي وإستناداً إلى العديد من مراكز الأبحاث العربية والدولية وتزامناً مع دراسات أجريناها عبر «المركز الدولي للأبحاث السياسية والاقتصادية PEAC» عكستْ أزمة فكـر سياسي في لبنان يمكن تلخيصها في أزمة «القحط الفكري» ومن أبرز عناوين هذه الأزمة وتحدياتها: أزمة القيادة – أزمة شرعية العمل السياسي /العسكري – أزمة الهوية – أزمة الأخلاق السياسية – أزمة التعايش الوطني – أزمة الفكر السياسي المستورد.

 

بعيداً عن أي جدل أو صراع في هذه المرحلة نطرح سؤال جوهري: من الذي يقود هذه الحرب الإيرانية – اللبنانية الدائرة على أرض لبنان، هل هو حزب لله أو الجمهورية الإسلامية الإيرانية ؟ يمكن على الأقل الإشارة هنا إلى أنّ الوقائع الميدانية والسياسية تحدثنا عن الكثير من الأدلّة أن إيران ورّطتْ حزب لله في هذه الحرب ووضعته في مواجهة دولة إسرائيل إنطلاقاً من الأرض اللبنانية… هذا يدلّ على أنّ القيّمين على هذا الحزب بدوا وكأنهم لا يتمتّعون بـ«الكاريزما» السياسية التي من المفترض أن يتمتع بها قائد ما، كما إنهم يفتقدون للشخصية القيادية صاحبة الخطاب السياسي القومي، وبالتالي باتوا رهينة القرار الإيراني.

أما واقع الحال لناحية الجمهورية اللبنانية، فإنّ أغلبية المسؤولين (نواب – وزراء – رؤساء أحزاب – رجال دين مسيحيين ومُسلمين…) للأسف يُعانون من النواقص والسلبيات، وهم فعلياً مأسورين لبيئات معينة وبالتالي يترتّب على أدائهم إسقاطات سلبية على الرؤية والسلوك السياسي. ومن الطبيعي وبعد مراقبة دقيقة لأدائهم الديني والدنيوي أنّ مثل هؤلاء القادة يتّسمون بعدم الموضوعية نتيجة لتأثير الولاءات السياسية والعقائدية والإتنية وغيرها من الخلفيات الإجتماعية التي تؤثر سلباً في تفكيرهم لأنهم عملياً في مصاف صانع السياسة ومتخذ القرار، ويظهر عليهم جليّاً غياب الرؤية السياسية والتفكير الإستراتيجي والإرادة السياسية لأنهم مقيّدين بأجندات محلية – إقليمية – دولية وغيرها من الانتماءات دون الانتماء الوطني الصرف.

 

تحديات الحرب الإيرانية – الإسرائيلية في ظل غياب القرار اللبناني هي من أبرز سمات أزمة الفكر السياسي اللبناني، وعلى هذا الفكر التركيز على مسألة شرعية القرار، وعليه أن يبحث في كيفية إحداث حالة تمنع إستعار هذه الحرب ضمن إطار استرجاع السيادة الوطنية لأصحابها بعد طول غياب. إنّ استفحال هذه الحرب على الأرض اللبنانية وعدم الإستقرار يتحمّل الوزر الأكبر فيها الفكر السياسي اللبناني لعجزه عن ابتداع الحلول المنطقية لمعالجة أي تدخّل في الشؤون اللبنانية الداخلية. غالباً ما تمّت معالجة المشاكل في الجمهورية اللبنانية على طريقة «تبويس اللحى» أو عملية «تركيب طرابيش» أو من ضمن تسويات بين أطرف سياسية فاقدة للحس الوطني والديمقراطي على طريقة التفاهمات ونذكر منها تفاهمي «مار ميخائيل ومعراب» هذا الثنائي التفاهمي أفقد الجمهورية عذريتها لأنه أتى على حساب المؤسسات الرسمية ليستفيد منهما من أبرمهما واحد إستفاد من خلال سيطرته على كل مقدرات الدولة بإقامة الدويلة والآخر إستفاد بالشخصي على صعيد الوصول إلى رئاسة الجمهورية ضمن دعاية تم التسويق لها من قبل مراجع مسيحية اعتبرت نفسها رابحة ولها أحقية والحصر الإرث السياسي المسيحي فكانتْ أن حصدتْ السوء جرّاء رهاناتها الخاطئة.

إنّ تحديات الحرب الإيرانية – الإسرائيلية هي إنتقاص من السيادة الوطنية وهي نتيجة فكر سياسي «أجرودي» لأنها إستبطن تأثيرات ومتغيّرات مختلفة بإعتبار أنّ هذه الحرب هي محصلة إفتقار الفكر السياسي اللبناني للضمير المهني ولمحبة الوطن وللدفاع عن السيادة الوطنية بكل مكوناتها الشرعية. إنّ تحديات هذه الحرب لم تسقط من السماء ولم تأتِ من الفراغ أو من الخلافات الدولية بل هي نِتاج عن عوامل داخلية – إقليمية فاعلة ومتدخلة أسقطتْ الدولة ورمزيتها. إنّ الوضع اللبناني في ظل غياب قرار مركزي صادق – صارم – حر، له تداعيات خطيرة على الجمهورية اللبنانية بكل مؤسساتها المدنية والعسكرية وإرتداداته حالياً تؤثر على كل الشعب اللبناني وليس حكراً على مكوّن لبناني متورط في هذه الحرب.

تحديات الحرب الإيرانية – الإسرائيلية ناجمة عن عجـز الجمهورية اللبنانية ومؤسساتها عن أداء وظائفها وممارسة أدوارها على كل التراب الوطني للدولة وعلى كل المستويات، وبنظرة مستفيضة لنا كباحثين وناشطين سياسيين تبيّن لنا تدّني قدرات المسؤولين اللبنانيين في مجالي الدبلوماسية وإستنباط الحلول. وتزامنًا مع بروز أزمات اقتصادية – معيشية – إجتماعية نتيجة هذه الحرب، وتخوّفاً من أن تأتي تسوية ما على حساب الجمهورية اللبنانية في ظل غياب القرار اللبناني. ضمن هذا السياق نطرح خريطة طريق «النظام الإنتقالي»، وهو بمثابة مشروع إنقاذي إستباقاً لتسوية ما. «النظام الإنتقالي» مخرج من العوامل المعطّلة للاستقرار وللسيادة الوطنية ويهدف إلى تحقيق السيادة الوطنية وبناء دولة القانون والمؤسسات، عسى من يقرأ يُدرك خطورة هذه الحرب؛ وعسى القوى الإقليمية العربية والإقليمية الدولية ترعى خارطة الطريق خاصتنا المرتكزة على «النظام الإنتقالي» لحماية كل حقوقنا وسيادتنا الوطنية.

* كاتب وباحث سياسي