مرّ كلام وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند على هامش الاحتفال بإعادة فتح سفارة بلاده في طهران عن تلمّسه «اختلافاً قليلاً« في موقف إيران تجاه اسرائيل، من دون ان يثير أي ردود فعل، لا في جمهورية «ولاية الفقيه» ذاتها، ولا في ملحقاتها في المهجر.. بل ان الخبَرَ عَبَر في فضاء الممانعة في لبنان من دون أن تطلق باتجاهه أي مضادات من أي نوع، لإسقاطه!
وهاموند وزير خارجية دولة عظمى ويعرف تماماً ماذا يقول ولا «يطعج» في الحكي. وكل كلمة عنده محسوبة. ولغته موزونة بميزان دقيق وحسّاس. وهو فوق ذلك، قال كلامه في طهران وليس في لندن. وبعد لقائه الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني وليس في ندوة جامعية، ولا في لقاء «تحليلي» مقفل ومغلق، وبالتالي، فإن «جغرافية» كلامة توازي نوعية ذلك الكلام وخطورته.
الملفت فعلاً، هو ان الايرانيين ظلوا صامتين، ولم تخرج من عندهم، لا من الباحثين عن إعادة ترقيع جسور الوصل مع الغرب، ولا عن «الاباديين» الذين لم يتركوا فرصة تعبر على مدى سنوات وسنوات، من دون توعّد إسرائيل بالإمحاء عن وجه الأرض، واعتبار خط «المقاومة» هو البديل الوحيد عن خط «الاستسلام»! كل هؤلاء لم ينطقوا بحرف واحد، لا تعليقاً ولا نفياً ولا تأكيداً لما أعلنه الوزير البريطاني.. أي، كأن الاستدارة بدأت بالفعل وعلى طريقة الهواة والمراهقين والملطوعين بالمواقف الناجزة والنافرة: من «غدة سرطانية» يجب استئصالها، الى شيء آخر مختلف تماماً، يقوم على أجواء ومناخات تمكّن ضيفاً ثقيل الوزن ورفيع المستوى، من طراز وزير خارجية بريطانيا، من «تلمّس» ذلك «الاختلاف القليل» في الموقف، ومن ثمَّ الاعلان عن ذلك المعطى، ومن طهران، ومن دون رفّة جفن!
كثيرون يفترضون، ان ذلك هو حتم مؤجل! أي أن الذي بلّع بحر شعار «الموت لأميركا» على مدى ثلاثة عقود ونصف العقد ثم «استفرغه» في ليلة من ليالي الأنس التسووي في فيينا، لن يتأخر كثيراً في إخراج نهر شعار «استئصال إسرائيل» من جوفه، والبدء في تحضير متطلبات الاستدارة التامة!
يضيء ذلك، في جملته وتفاصيله، على أن إيران تؤكد معطى عاماً يفيد أن الدول مصالح قبل المبادئ! ومعطى أقل عمومية يفيد أن طهران طوال عمرها، أي في فترة حكم الشاه وفي الفترة الثورية المستمرة الى اليوم، تعتنق سياسة «مبدئية» واحدة ولا تحيد عنها في كل شؤونها وعلاقاتها وتطلعاتها الخارجية: المصلحة الذاتية الإيرانية العليا فوق كل اعتبار وكل ملف وكل حليف وكل علاقة وكل قضية وكل «مقاومة»! وعندما تفرض تلك المصلحة أولوياتها، تتراجع كل تلك الشؤون والشجون الى موقع اسناد تلك الأولويات وليس التقدم عليها!
وذلك بدوره، يعني استطراداً آخر يوصل الى لبنان! وإلى «وظيفة المقاومة» فيه! وفي هذا يصحّ افتراض من افترض من أول الطريق التسووي الايراني – الدولي، ان «اتفاق فيينا» خط بمسار واحد. ولا يمكن ايران أن تعتمده كمسارين. واحد انفتاحي تفرضه عوالم التجارة والمال والاقتصاد وإعادة العلاقات الديبلوماسية. وواحد انغلاقي تفرضه متطلبات تصدير الثورة وبناء النفوذ في الخارج بالتخريب والارهاب. أي ان ذلك الاتفاق، وضع بالفعل حدًّا فاصلاً بين مرحلتي الدولة والثورة لصالح الأولى.. وان كان ذلك كله، لا يزال في بدايات بداياته.
.. غريب تماماً، أن تصاب كل الآلة الاعلامية والسياسية الممانعة في ديارنا، بذلك الطَرَش الفجائي ثم أن تخرس إزاء كلام الوزير البريطاني الخطير، بحجة أنها لم تسمعه! أم ماذا؟!