لا شك أن «إيران الثورة 1979» تمثل هاجساً مُثيراً في المنطقة، لما تنتهجه إلى الآن من سياسات استفزازية تستهدف النيل من سيادة بعض الدول العربية، متخذة في سبيل ذلك كافة السُبل لزرع وتوطين وتنمية قوى محلية تنتقص من استقرار الدول العربية، وتنشر بذور الفرقة بين مكونات المجتمع الواحد. حدث ذلك ويحدث في لبنان وسورية والعراق والبحرين واليمن وفلسطين.
وبالعودة إلى «إيران الثورة 1979»، نجد أنها اكتسبت أرضاً داخل الوطن العربي، بدعم من خطابها الثوري المناهض للولايات المتحدة وإسرائيل، الأمر الذي ربط، كذباً وزوراً، بينها وبين الكفاح العربي المضاد لإسرائيل، مُغتصبة الأراضيَ والحقوق العربية، ولواشنطن المنحازة دوماً لحليفتها إسرائيل.
وقد لعبت إيران بمهارة على هذا الوتر المؤلم، في ظل الفرقة التي حدثت بين مصر والعرب في أعقاب توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، مثلما استفادت إيران من تأجيج الصراع بين الفصائل الفلسطينية، فانضمت إلى الفصائل المتمسكة باستخدام القوة لاسترداد الحقوق المسلوبة، فكانت حماس على رأس المتعاونين مع إيران، بينما مالت المنظمات الأخرى إلى الحلول السلمية، على رغم عدم جدواها في كثير أو قليل، وفق ما أبدته وأثبتته التجارب بوضوح.
والشيء ذاته فعلته إيران مع حزب الله اللبناني، الذي قضم الكثير من السيادة اللبنانية، ووجد في الاحتلال الإسرائيلي ذريعة لتكريس سلاحه على الأرض اللبنانية في مواجهة مفتوحة مع الجيش اللبناني، ما أثار الكثير من دواعي عدم الاستقرار في لبنان، ومال بلبنان إلى النظام السوري فطعن بشدة في استقلال القرار السيادي اللبناني، وجر الدولة المسالمة الساحرة إلى جبهات حرب ألقت إلى الخلف بعيداً بالاقتصاد الوطني المُنهك جراء الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990).
وكان اليمن شاهداً على فصل جديد من الأطماع الإيرانية في المنطقة، لعلها الأشرس، بدعم سخي بالمال والسلاح لميليشيات الحوثي المناوئة للنظام الشرعي، مهدداً الأراضي السعودية بصواريخ لا تفرق بين مدني وعسكري، فكانت هَبّة التحالف العربي الداعم لاستعادة الشرعية في اليمن، والمحافظة على استقلاله وسلامة ووحدة أراضيه. ولم تنجح جهود المجتمع الدولي في إلزام الحوثيين باتفاق رعته الأمم المتحدة في ستوكهولم بالسويد أواخر العام الماضي، ما زاد من معاناة الشعب اليمني الشقيق، وأطاح بكثير من الآمال في حل سياسي للأزمة.
وإذا كانت إيران قد أسهمت، إلى جانب روسيا، بقوات مؤثرة في حسم الصراع السوري لصالح نظام بشار الأسد، فإن الأمر يتجاوز، وفق الأجندة الإيرانية، حدود ذلك الأمر، وصولاً إلى امتلاك نقطة التقاء مع ذراعها في لبنان «حزب الله»، وتهديد إسرائيل بالاقتراب من حدودها، بغرض المساومة بذلك في الملف النووي والعقوبات الأميركية المفروضة علي طهران. فما كان من الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلا أن اتخذ ذلك ذريعة كاذبة للاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان «السورية»، والتي كانت إسرائيل قد أعلنت عن ضمها بقانون صدر من الكنيست عام 1981، وتبعه بأيام عدة إصدار مجلس الأمن قراراً بالإجماع يرفض ضم إسرائيل الجولان، إلا أن ساكن البيت الأبيض الشعبوي لم يجد غضاضة في الاصطدام بالشرعية الدولية التي أسهمت فيها بلاده. وربما وجد متغيرات على الأرض العربية أفادت في تجاوزاته المتكررة، والتي بدأها بقطع المعونات الأميركية عن الفلسطينيين، وإغلاق مكتب منظمة التحرير بواشنطن، وإيقاف المساعدات التي كانت تقدمها بلاده للأونروا، وألحق ذلك بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها، وأخيراً كان اعترافه بأن الجولان قد باتت إسرائيلية بعد احتلال دام 52 عاماً!
على هذا النحو، تتهيأ المنطقة لتغيرات واسعة، لا شك أنها ضمن خبايا «صفقة القرن» المزمع الإعلان عنها بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة. فهل استعدت القمة العربية التي استضافتها تونس 31 أذار (مارس) الماضي بالقدر الكافي، لهذه الترتيبات، أم أن مكسباً جديداً ستحرزه «إيران الثورة 1979» حين يعلو خطابها ضد «صفقة القرن»؟