Site icon IMLebanon

مناورة إيران في الجولان

 

ليس هدف نظام الاسد، وحلفائه الإيرانيين وحزب الله، إستعادة السيطرة على كامل الجنوب السوري، فلا الوقت يسمح بإنجاز مثل هذه المهمّة، ولا الإمكانيات المتوفرة تضمن تحقيقها، ولا حتى الحلف نفسه ذهب بطموحه إلى تلك الحدود، وإن كانت البروبوغندا المصاحبة تستمر ببيع الأوهام لجمهور باتت الهواجس تحاصره وصار يسأل عن أثمان الضحايا التي يتولى بشار الاسد وصديقه حسن نصر الله صرفها في ثقب أسود لا يبدو انّ ثمة قرارا له.

بضعة قرى صغيرة على أطراف سهل حوران الشمالي وبضعة تلال متناثرة هي تخوم عملية «حسم» ما يسمى حلف»المقاومة» وتلك آخر مآلاتها، فهم يستثمرون في الصدمة التي حقّقوها على جبهة الطرف الآخر، وكانت ثمة مراهنة كبيرة على تصدع الجبهات وتداعيها، ولكن وبما أن الثوار امتصوا الصدمة بأقل قدر من الخسائر وبما أن الكتائب العاملة في تلك المنطقة تمتاز بالتنظيم والصبر الإستراتيجي، فالامور ذاهبة إلى حالة من التوازن في المرحلة القادمة مع تقدير حصول بعض الإختراقات هنا وهناك، على ذلك، فإن ما تم تحقيقه في بواكير حملة» الحسم» سيتطلب فيما بعد عبء القدرة على إستمرار حمايته، وهو عبء في هذه اللحظة من تاريخ الثورة على نظام الأسد كبير، ذلك أن النظام كان قد خسر في مرحلة سابقة البنية التحتية اللازمة لتكريس سيطرته، فلا أنساق دفاعية ثابتة ومترسّخة بعد تدميرها من قبل الثوار، ولا طرق إمداد محمية، فضلا عن كونه بات يعمل في بيئة معادية ستتعاطى معه على الدوام بوصفه قوة إحتلال. إضافة لذلك لم يعد يملك الحلف رصيدا كبيرا من المقاتلين حتى يجمّده في قطاع قتالي واحد فيما جبهاته في حلب ودير الزور وأرياف حماة وحمص والقلمون تنذر بمخاطر إستراتيجية كبيرة، ودع عنك كل ما يقال عن خبرات يجري بناؤها في هذه الحروب، الواقع أن الحرب حصدت كل الخبرات القديمة للعناصر الإيرانية، بما فيها ذراعه حزب الله، ثم ان تكتيكات الثوار المتغيرة دائما تلغي كل تراكم قد يحصل ما بين معركة وأخرى.

ثمة أهداف تكتيكية باتت معروفة للجميع تهدف عملية الحسم إلى تحقيقها وأهمها:

تأمين العاصمة دمشق من جبهتي درعا والقنيطرة، وهنا لا بد من الإنتباه إلى أن العملية لم تحصل إلا بعد إعلان «الجيش الاول» في الجيش الحر عملية تحرير مجموعة من القرى التي تطوّق الصنمين وإزرع وهما تشكلان آخر خطوط الدفاع عن دمشق من جهة درعا وكان سقوطهما يعني أن العاصمة صارت تحت نيران الثوار، والعملية من الناحية التكتيكية محاولة لترميم الفرقة التاسعة آخر معاقل النظام الكبيرة في حوران.

الهدف الثاني قطع عملية التواصل مع قرى سفح جبل الشيخ الشرقية، جباثا الخشب بيت ساير وكفرحور وبيت جن ودربل، وهذه القرى ترتبط بمنطقة العرقوب بطرق جبلية سهلة العبور ويتخوف حزب الله من نقل الثوار المعارك الى مناطقه من أجل دفعه الى الإنكفاء عن الجبهات السورية، وتشكل دير العدس منطقة وصل لهذه القرى مع سهل حوران. 

قطع طرق إمداد الثوار باتجاه الغوطة الغربية « خان الشيح داريا» وتقع دير ماكر كنقطة وصل بين ريف حوران الشمالي وريف دمشق الغربي. 

تأمين خطوط إمداد إلى اللواء 90 في منطقة الكوم في ريف القنيطرة الشمالي، وهو آخر أكبر القطع العسكرية المتبقية في المنطقة، وبحسب معلومات الثوار هناك بات اللواء مقرا أساسيا لتخطيط قيادات الحرس الثوري الإيراني و» حزب الله» وقيادات من النظام وخبراء روس.

غير أنّ هذه الأهداف التكتيكية إنطوت على هدف إستراتيجي مخفي، ذلك أن إفتراض تحقيق خارطة الأهداف التكتيكية سيؤدي بشكل اوتوماتيكي الى هدف إستراتيجي أكبر، وهو أهم أهداف قاسم سليماني من وراء هذه العملية التي تبنّاها شخصيّاً من خلال التخطيط وجمع الموارد وإقناع القيادة في طهران بجدواها إستراتيجياً، ويتمثل هذا الهدف بإعادة تنظيم وضبط الحدود مع إسرائيل وإعادة إنتظامها ضمن قواعد الإشتباك التي رعاها نظام الأسد طوال عقود، ومن أن إسرائيل فاضلت بين الخيارات ورأت في العملية خدمة مزدوجة، فهي من ناحية لم ترتح قط لوجود جيل جديد من الإداريين لمناطق الحدود في الوقت الذي لا تزال لا تعرف الكثير عن توجهاتهم وكيف يفكرون، كما أنه وحسب إستراتيجيتها تجاه الصراع فإنّ هذا الإنخراط الجديد لإيران وأذرعها في المنطقة يمثل رافداً إستنزافياً جديداً سيؤدي إلى إضعاف « حزب الله» الذي ترى إسرائيل أن قوته تتأكل بشكل إنحداري رهيب.

على ذلك، فإيران معنية بالرسائل السياسية التي تتضمنها خطوتها بالهجوم على حوران- القنيطرة، أكثر مما هي معنية بتغيير الوقائع على الأرض بشكل كبير وتوسيع بيكار هجومها، لماذا؟، تعرف طهران من خلال وسائل عديدة أنّ منطقة حوران باتت تنطوي على بنية قتالية مترسخة يصعب تفكيكها كما يصعب إنتزاعها، وهي على مساحتها الضيقة تحتوي على عديد من المقاتلين يبلغ حدود الثلاثين ألف مقاتل، كما تدرك أن هذه الهيكلية تعمل بإشراف غرفة «الموك» في الأردن والتي تشرف عليها الولايات المتحدة الأميركية نفسها، وبالتالي فإن هذا القطاع يغدو حصة أميركا في الثورة السورية، وبالتالي فهو أصبح جزءاً من قواعد الإشتباك في المنطقة، صحيح أن عمليّة «الحسم» التي قامت بها إيران وأتباعها طاولت بعض قرى حوران، لكن هذه القرى تقع على خط التماس وليست قواعد ثابتة للثوار، إضافة إلا أنها لا تشكل خطرا على بنية الثوار وهيكليتهم في تلك المنطقة، وتاليا فإن إيران تعرف سلفا حدود اللعبة.

من هنا يبدو الهدف السياسي أكثر الأهداف وضوحا حتى اللحظة، بمعنى ان إيران تحاول تقديم نفسها بدور جديد في المنطقة وهو الضامن للأمن والإستقرار، وقد كان الرئيس الإيراني حسن روحاني واضحاً في خطابه الأخير عندما قال ان إيران هي الطرف الوحيد في المنطقة الذي يستطيع حفظ الأمن والسلام، مشيرا الى دور بلاده في العراق وسوريا واليمن.

هي مجرد مناورة تقوم بها إيران، من ناحية لتختبر إتجاهات التطورات في المنطقة ولكن عبر حاسة اللمس هذه المرّة، ومن ناحية أخرى نزولا عند تقديراتها أن العالم في هذه اللحظة من الفوضى بات بحاجة الى قوة ضامنة ورأس واضح يوكله هذه المهام، وتلك صنعة إيران حرفتها التاريخية.